هل تعود «حماس» إلى «محور المقاومة»؟

 تواجه حركة "حماس" حملة تضييق كبيرة عليها في مصر وغزّة يشنّها النظام المصري الجديد. فالتحوّل في الموقف بين ليلة وضحاها، وعزل الرئيس محمد مرسي والزجّ بقيادات "الأخوان المسلمين" في السجن، والإعلان عن القبض على عناصر من "حماس" تشارك في التظاهرات وأعمال الشغب، خلَق رأياً عامّاً مصرياً ضدّ الفلسطينيّين عموماً، و"الحمساويين" خصوصاً.


الأمر الذي جعل الجيش المصري مرتاحاً في تدمير كلّ الأنفاق على الحدود بين غزّة وسيناء، بهدف التضييق على "حماس" ومحاصرتها ومنعها من التأثير في مجريات الأحداث المصرية. وقد تطوّرت الأوضاع الى تحليق مروحية مصرية مقاتلة فوق "رفح" الفلسطينية، أثناء شنّ الجيش عمليات عسكرية في شبه جزيرة سيناء ضد المسلّحين المتمرّدين المتطرّفين.


كانت "حماس" قد غادرت "محور الممانعة"، واتّخذت موقفاً ضدّ النظام السوري، وغادرت دمشق. وظنّ قادتُها، وفي مقدّمهم خالد مشعل، أنّ الاستناد الى المال القطري والدعم السياسي لنظام "الإخوان" في مصر، يشكّل بديلاً موضوعيّاً من العلاقة مع سوريا، وحتى من إيران.


هذا البديل بالنسبة إليهم بدا مربحاً ومريحاً من الناحية الفكرية والسياسية والإسلامية. "حماس" تنتسب إلى المرجعية الفكرية لمؤسّس جماعة "الأخوان المسلمين" حسن البنا، وفي المنطقة نزاع دائر بصبغة مذهبية تجعلها تخسر معنوياً أمام جمهورها وشارعها.


لم تأتِ حسابات مشعل وقادة "حماس" مطابقة للواقع.في الثالث من تموز، وجدت الحركة نفسها في عزلة مجدّداً. علاقتها بسوريا انقطعت تماماً، والعلاقة بإيران فترت، وبقيَ الودّ وتنظيم الخلاف مع "حزب الله" قائماً، ولو في الشكل. سقط النظام الحليف في القاهرة، وأوقفت قطر الدعم والمشاريع بذريعة إغلاق المعابر وعدم القدرة على إدخال مواد أوّلية.


"الإخوان" لم يعودوا قادرين على تهريب الأموال بحجّة "هدم الأنفاق" وصعوبة إيصال المال. خرج تحالف قطر- تركيا- "الإخوا4ن المسلمين" من المشهد على المستوى السياسي، وتقدّمت السعودية الخصم التاريخي للجماعة، وصاحبة الموقف السلبي الدائم من "حماس".


أمام الواقع الجديد والظروف المستجدة، يبدو أنّ "حماس" تعيد تموضعها تدريجاً خشية من الاختناق، وتخوض مفاوضات مع طهران بغية العودة الى الحضن الإيراني. وفي المعلومات، أنّ وسطاء من الحركة تربطهم علاقة جيّدة بإيران و"حزب الله"، منهم القيادي محمود الزهار، بدأوا منذ شهر تقريباً الاتصالات لترتيب تفاهمات جديدة، لكنّ طهران تشترط موقفاً واضحاً من الأزمة السورية لاستئناف الدعم والتمويل.


والأرجح أن تنجح المفاوضات في إعادة تظهير صورة جديدة للحركة، تختلف عمّا بدت عليه في العامين المنصرمين. ثمّة عَتب كبير في دمشق، وحَذر في طهران. كان في وسع "حماس" لعب دور كبير في منع تحويل المعركة إلى نزاع مذهبي كما يريد البعض، لكنّها اختارت الاصطفاف السهل والمريح، وربّما لا يزال في وسعها لعب هذا الدور، إذا وصلت التفاهمات الى نتيجة إيجابية.


من جهته، لم يقطع "حزب الله" اتصالاته بالحركة، وحافظ على الإيجابيّات وحاول تنظيم العلاقة والخلاف، وهو مرشّح لأن يلعب دوراً إيجابيّاً في التقريب بين طهران و"حماس" من جهة، وبينها وبين دمشق من جهة ثانية.


لا شكّ في أنّ "حماس" اليوم في مأزق، والخيارات المتاحة أمامها صعبة. العودة الى كنف محور "المقاومة والممانعة" أسهل الممكن، لكنّه خيار محفوف بخسائر أيضاً، الأمر الذي خلق نقاشاً داخلياً أدّى إلى بروز تيارات بآراء متفاوتة وتباعد في الرؤى. الزلزال الذي يضرب المنطقة يصيب الجميع، ومنهم حركة الشيخ أحمد ياسين، والتصدّعات التي تطاول المشرق العربي تتسرّب الى مجمل كياناته السياسية.


حركة "حماس" ليست حالة استثنائية، وقد يصيبها شيء من الانقسامات التي يشهدها العالم العربي في الموقف والرؤية، لكن لا بدّ من اتّخاذ قرار جريء، حتى لو كان صعباً للحفاظ على ما بقي من المقاومة في فلسطين.

 

السابق
قباني: السنيورة يقف وراء حملة عزلي
التالي
زوجة المغدور جمّو تنفي الإتهامات