أيهما أفضل للثنائي الشيعي: الحريري أم البديل عنه؟

مة اقتراح يجري تداوله عن امكان عودة الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة. اقتراح لا يزال محل جس نبض، مع الاخذ في الاعتبار المخاوف من محاولة اغتياله التي دفعته سابقا الى مغادرة لبنان

في الأيام الاخيرة، بدأت اوساط لبنانية وغربية تطرح سؤالاً من خارج سياق الاحداث الداخلية: ماذا لو اعتذر الرئيس المكلف تمام سلام عن عدم تأليف الحكومة، وعاد الرئيس سعد الحريري الى لبنان، وكُلف مجددا رئاسة الحكومة؟
لم يكن السؤال عابراً، بل كان محل مناقشة جدّية جرت في أكثر من وسط لبناني وغربي في لبنان وخارجه، ودرس الفاعلون فيه كل الاعتبارات السياسية والامنية التي يمكن ان تواجه مثل هذا الاحتمال. وبحسب مصادر مطلعة، فإن طرح فكرة اعادة تكليف الحريري، جاء خلال استطلاع دوائر غربية أوساطاً لبنانية الامكانيات المتاحة لإنقاذ الوضع اللبناني. وفي رؤية هذه الاوساط، فإن اعادة الحريري رئيساً للحكومة تصوّب المسار الداخلي تفادياً للفراغ عبر تشكيل حكومة موثوقة، تعيد الامساك بالوضع الداخلي وتؤمّن الاستقرار في مرحلة يحتاج فيها المجتمع الدولي الى لبنان مستقر، ربطاً بدرس خياراته حول سوريا. وقد يكون فيه كذلك مخرج للطائفة الشيعية المطوقة عربياً، بعد مشاركة حزب الله في الحرب السورية، ويساهم في التخفيف من الحملة عليه خليجياً. اذ ان عودة الحريري، في ظل اعتبار الطائفة السنية انها مستهدفة، يمكن ان يساهم في تفتيت الصراع الحاد حالياً بين السنة والشيعة، ويعيد احياء دور السنة المعتدلين في وجه ارتفاع نبرة التيارات الاصولية.
ويتقاطع هذا التقويم مع استعادة الرياض دورها عربياً بعد سقوط نظام الاخوان المسلمين في مصر، واعادة ربط علاقتها مع واشنطن، واعادة تفعيل حضورها في لبنان. وتشير هذه المصادر الى ان تعطيل عمل سلام لم يكن محلياً فحسب، بل هو رغبة من السعودية التي سمّته، في وضع الموقع السني في الثلاجة في انتظار اتضاح رؤيتها لما ستؤول اليه اتصالاتها الدولية في شأن سوريا والحوار مع طهران وواشنطن. ما يوحي بأن الرياض قد تكون غير بعيدة عن الدفع بالحريري مجدداً، من دون ان تضع الاخطار الامنية المحدقة به جانبا، لأن قرارا على هذا المستوى لا يمكن ان يتخذ من دون تنسيق اميركي ــ سعودي.
والجديد ايضا في طرح هذا الموضوع هو الحديث عن مناقشات داخل قوى 8 آذار حول الوضع السني ــ الشيعي وما آلت اليه التطورات الميدانية في اكثر من منطقة، ولا سيما بعد التفجيرات الاخيرة في الضاحية والبقاع. وهذا الوضع يمكن ان يكون بداية هذا المسار وليس نهايته. وعلى حد تعبير احد السياسيين، فان الوضع الراهن صار أشبه بلعبة كرة القدم التي يمدد فيها للفريقين لدى تعادلهما وقتاً اضافياً كي يحسما المباراة لصالح اي منهما. وفريقا 8 و14 آذار، ومن خلفهما اقليمياً، دخلا في هذه المهلة الاضافية، بعدما تعادلا حتى الان اثر محاولات عدة لتسجيل النقاط ضد بعضهما بعضاً.
فحين اطاح حزب الله حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، بدا انه سجل انتصارا على خصومه في التمهيد للفراغ الحكومي، وبعده لسلسلة فراغات بدأت تترجم امرا واقعا على الارض.
رد الفريق الآخر، بدعم سعودي، بتسمية سلام لتشكيل الحكومة الجديدة. كان سلام الخيار السعودي الاقل كلفة لبنانياً بين الرئيس فؤاد السنيورة واللواء اشرف ريفي غير المقبولين من حزب الله الذي رد بالقبول بسلام وتسميته رئيسا مكلفا لا اكثر ولا اقل. ومع دخول مفاوضات التشكيل الحلقة المفرغة، بدأت عملية الرد والرد المضاد، فطارت الانتخابات وطار المجلس الدستوري. ومدد للمجلس النيابي فأتى الرد برفض التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي.
يضيق الخناق في طرابلس وعرسال، ويأتي الرد في عبرا عملية واسعة، يحسمها الجيش، فتفتح عليه النار من داخل لجنة الدفاع. يحتفل حزب الله بانتصاره في القصير، فتقع متفجرة بئر العبد، ويحتفل الطرابلسيون بها. وتتوالى سلسلة التفجيرات وتبدأ الاغتيالات.
هكذا يصبح المشهد اللبناني عبارة عن تقاسم ادوار وردود فعل، تطيح الاستقرار الداخلي. ولأن الوضع الحكومي على حاله في ظل رئيس للحكومة مستقيل ورئيس مكلف ورئيس للظل، بات البحث عن خيار اكثر ملاءمة بحثاً جدياً، لا سيما ان الرئيس نبيه بري لم يقطع اتصالاته في احلك الظروف مع الحريري. في حين جرت النقاشات على مستوى حزب الله، حول امكان التعامل مع الاصيل وليس البديل، فكيف الحال اذا كان هناك حتى الآن ثلاثة بدلاء.
وتشير المصادر الى ان تكليف سلام لم يكن خيارا اتخذته قوى 8 آذار، بل هي استجابت له بعدما دخلت السعودية على خط التكليف. والتجربة اثبتت حتى الان ان الرئيس السنيورة بقي رئيسا للظل، في اكثر من مناسبة، سواء بفرضه بوسائل عدة شروطا لتشكيل الحكومة، او بما حدث اخيرا في عبرا وطريقة ادائه الفاقع التي خالفت تماما ما قام به الحريري تجاه الجيش والتي قوبلت بارتياح عام. اضافة الى ان تجربة الحريري مع حزب الله، على كثرة ثغرها، كانت اخف وطأة من تجربته مع ميقاتي. وفي المقابل، يحاول رئيس الحكومة المستقيل وضع «رجل في البور ورجل في الفلاحة» بين الفريقين، عله يتمكن من تعويم نفسه عن طريق اعادة تسميته بعد اعتذار سلام. لكن المراجعة الشيعية لم توح انه يمكن الركون بعد اليوم له بعد استقالته الاخيرة والانذارات المبطنة والمكشوفة خلال رئاسته الحكومة. وتفيد المراجعة ذاتها بأن التعامل مع الاصيل افضل من التعامل مع الوكيل، مع اعتراف ضمني بأخطاء حصلت ابان حكومة الحريري وحتى بتطيير حكومته.
لم تخلص المراجعة الى خلاصة بعد، ولا سيما بعد دخول اكثر من طرف على خط جس النبض. ومع الاعتراف ايضا بأن الحريري لا يمكن ان يعود في ظل التهديدات الامنية الكثيرة التي دفعته الى مغادرة لبنان والحديث عن معلومات لاغتياله. وحزب الله، بحسب اوساط امنية، لا يمكن ان يعطي اي ضمانات امنية خشية ان يتعرض الحريري لأي سوء من اي طرف ثالث، ويحمّل الحزب مسؤولية عودته الى لبنان.
واذا كان الخروج من حال الجمود الراهنة، في حال قرر الفريقان ان ثمة مصلحة اولية بتثبيت الاستقرار في لبنان، بات يتطلب قراراً استثنائياً. لكن المشكلة تكمن في عدم ثقة الطرف المعني بأمرين: شبح الاغتيالات، والشك بأن لدى حزب الله نية فعلية لملء الفراغ وليس في الدفع في اتجاهه اكثر فاكثر، وان كل ما يوحي به اليوم مناورة لكسب الوقت ليس الا.

السابق
زهرمان يرجح عدم تشكيل حكومة بالمدى المنظور
التالي
14 آذار مذعورة: انكشفنا!