إنقلاب حرب تموز

 الذكرى السابعة لحرب تموز. هناك من يذكر ذلك العدوان.

ليس المطلوب الحديث عن وجهة بندقية المقاومة اليوم، هي قررت أن المؤامرة بدل أن تأتي من الجنوب، ها هي تُطلّ من الشرق. تجرّ لبنان إلى مقتل؟ هذا من خارج النقاش. في الأساس، حرب عام 2006، إلى الآن هي موضع تساؤل لدى جزء أساسي من اللبنانيين. حتى المقاومة حين قررت تلك الحرب، لم تستشر أحداً، ومن يطلب منها اليوم استشارته في حربها السورية، لم يقرأ تجربة عدوان تموز، وما رافقها وما تلاها.

 

قرار الحرب آنذاك، أتى من خارج الحدود. يومها قال أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله: فُرضت علينا، ولو كنت أعلم. المصطلح الأخير هو من باب تخفيف هول ما حدث ورد الفعل الإسرائيلي ورد فعل الشارع اللبناني على ما اقترفته الحرب في بلد لا يخرج من دمار إلا ليدخل في آخر. لكنّ، هذه الحرب كانت نقطة التحوّل الأولى الواضحة لحزب الله في سياسته الداخلية، وفي تعاطيه "سياسياً وعسكرياً" مع تبعات خروج الجيش السوري من لبنان بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.

 

منذ العام 2000، تاريخ الإنسحاب الإسرائيلي من لبنان، جهدت قوى سياسية عديدة، لإدخال حزب الله في العمل السياسي. التحرير تحقق، وآن أوان الإندماج في الدولة، ليس من باب تسليم سلاح المقاومة، بل ليتحوّل الحزب المقاوم شيئاً فشيئاً من العمل العسكري إلى الملموس السياسي ـ المؤسساتي. منذ العام 2000 وحتى العام 2006، تحقق الكثير. وكان أن دخل الحزب لعبة السياسة وكواليسها. لكنه فجأة، وبعد حرب تموز ـ من دون إسقاط تاريخ 14 شباط 2005 طبعاً ـ، قرّر أن يمشي عكس الطبيعة.

 

حرب تموز ليست حدثاً عابراً. هي ليست فقط محطة مع عدوان جديد ومقاومة مستمرة، عسكرياً وسياسياً. تلك الحرب كانت قاعدة انطلاق حزب الله إلى لبنان، بالطريقة التي كان يُرجى أن يتركها ما بين العام 2000، والعام 2006. أي زمن دخوله تدريجياً، أو محاولات إدخاله إلى السياسة وملعبها.

 

والذاكرة اللبنانية على قصرها، لا يسعها تخطي ما خلقته الحرب من نقاش حتى داخل الأحزاب الواحدة. وقتذاك على سبيل المثال، خرج الياس خوري وزياد ماجد ببيان قالا فيه إن زمن الحرب مع العدو ينفي كل تباين داخلي، فيما كانت قيادات حركة اليسار الديموقراطي في مكان آخر، وفي موقع تحميل الحزب مسؤولية هذه الحرب وتبعاتها. والصورة الأخرى كانت مع فؤاد السنيورة. هناك من لم يصدق وزير المالية السابق في عهد الحريري الأب يوماً، حين بكى إبان العدوان، تغيرت النظرة إليه، هناك متغيّر ما في مكان ما لا يقف عند رد فعل، بقدر ما يقف عند أسئلة جوهرية طُرحت، ولا تزال تُطرح إلى يومنا هذا.

 

لكن حزب الله كان في مكان آخر تماماً. انتهت الحرب، خرج النائب وليد جنبلاط ليسأل نصرالله إلى من يهدي انتصاره، إلى الشعب اللبناني؟ أتى الرد سريعاً، تخوين كل خصم، وصف الحكومة التي كانت حكومة مقاومة سياسية بحكومة اسرائيلية، حصار السرايا لإسقاط العملاء!. من هناك بدأت رحلة المقاومة مع ماضيها العسكري، للحفاظ على امتيازات ما قبل الإنسحاب السوري من لبنان.

 

بدل أن يخرج الحزب من الحرب إلى الداخل، خرج على الداخل. محطات كثيرة تلت ذلك التاريخ، أبقت على الأسئلة التي طُرحت حول الحرب، لا بل أكدتها. ساهم الحزب نفسه في تأكيدها. دخوله إلى الحكومات بشخصيات أكثر التصاقاً به، لم تكن بفعل التحوّل إلى العمل السياسي بقدر ما كان تثبيتاً لنهج وقف المؤامرة، وغياب ثقته حتى بأقرب المقربين إليه. أداؤه مؤسساتياً، وحكومياً بالتحديد، لم يكن إلا للحفاظ على ما حققه عسكرياً، من 7 أيار واتفاق الدوحة، إلى القمصان السود وعزل سعد الحريري.

 

أنهى حزب الله رحلته في سوريا. كل النقاش عن الحرب وما خلّفته، كان يجب أن يكون. كان يجب أن يؤسس إلى ما هو مختلف عن واقع الحال اليوم. هذا ما لم يحصل، وما لم يترك الحزب له مجالاً.

رئيس حكومة المقاومة السياسية كما وصفها الرئيس نبيه بري، والذي ذرف "دموع التماسيح" كما وصفوها، كان في أصدق لحظاته وقتها، يرفض الجلوس مع حزب الله على طاولة واحدة في الحكومة الموعودة.

الأسئلة، هي هي.

 

 

السابق
الأقباط يدفعون ثمناً لسقوط حكم «الإخوان المسلمين»
التالي
ضابط في الجيش اللبناني يدافع وحيداً عن السيادة اللبنانية