الميثاقية في لبنان … كيف وأين ولماذا؟

كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن الميثاقية المطلوبة لجلسات مجلس النواب ومجلس الوزراء والقرارات والقوانين وحتى المراسيم الصادرة عن هذين المجلسين. وقد ضاع الناس وضعنا معهم في تفسير هذه الميثاقية ودستوريتها.

جل ما نعرفه عن هذه الميثاقية ما كان يقال عن الميثاق غير المكتوب الذي توافق عليه اللبنانيون مع بدء الاستقلال العام 1943 وهو ينص – شفهيا وليس كتابيا – على توزيع عادل للمراكز والمناصب بين المسلمين والمسحيين كطائفتين رئيسيتين وليس لمذاهب هاتين الطائفتين. وقد تم وضع كلمة عادل وليس مناصفة لأن عدد نفوس كل من الطائفتين في حينه كان متفاوتاً اذ كان المسيحيون اكثر عددا من المسلمين، ولذلك كانت المراكز والمناصب المخصّصة للمسيحيين اكثر بنسبة عشرة بالمئة تقريبا من المناصب المخصّصة للمسلمين، وقد توزع التمثيل النيابي منذ تأسيس واعلان الجمهورية اللبنانية العام 1926 وصولاً الى عام دستور الطائف1990 بنسبة 54 للمسيحيين مقابل 45 للمسلمين.

ومع ان ميثاق 1943 كان شفهياً ، إلا ان الانتداب الفرنسي وضع وأقر مادة دستورية له (او هو وافق عليها ) منذ ان تم اصدار هذا الدستور العام 1926 وهي المادة التي تقول : "بصورة موقتة والتماساً للعدل والوفاق تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وبتشكيل الوزارة دون ان يؤول ذلك الى الاضرار بمصلحة الدولة". وبقيت هذه المادة سارية المفعول في عهدي الانتداب والاستقلال الى حين تعديلها مع تعديلات مؤتمر الطائف العام 1990 ليصبح نصها كما يلي : "تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكل الوزارة".
وقبل مؤتمر الطائف كان الوضع الميثاقي ، المكتوب وغير المكتوب هكذا، الى ان قرر الطائف تعديل وتفسير هذه الميثاقية في مواد الدستور الجديد من منطلق التغيير الحاصل في عدد السكان بعد ان انقلبت الموازين الديموغرافية ليصبح عدد المسلمين اكثر من عدد المسيحيين ، وقد حصل التوافق في الطائف على "ايقاف العد" واعتماد المناصفة في كل المناصب والمراكز … الى حين الغاء الطائفية.

وجرى تثبيت هذا التوافق في مواد دستورية صريحة توّجتها الفقرة (ي) من مقدمة الدستور التي تقول بـ "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك ". ولكن، ومن اجل الا يتعطّل ويتحجّر عمل المؤسسات ، نصت المادة 65 من الدستور على وجوب "اتخاذ قرارات مجلس الوزراء (وهو ما يجب ان ينعكس على قرارات مجلس النواب ايضا) توافقياً ، فاذا تعذر ذلك فبالتصويت بأكثرية الحضور". وأضيفت الى هذه المادة المواضيع التي تحتاج الى موافقة ثلثي اعضاء الحكومة من اجل الا تنفرد احدى الطائفتين الرئيسيتين باتخاذ القرار وحدها دون شريكتها في الوطن.
حكومة فؤاد السنيورة الاولى كانت اول من خرق هذه القاعدة، عندما اتخذت قرارات بمواضيع مهمة جداً من دون اي مشاركة من الطائفة الشيعية التي كان وزراؤها قدموا استقالاتهم. ومع ان الخرق المذكور لم يسمح له بأن يكون سابقة ، إلا انه كان وما زال موضع اتهام لكل من ساهم في ارتكابه وعلى رأس هؤلاء المتهمين تيار المستقبل وآل الحريري الذين كان بيدهم وحدهم زمام السلطة!
ولكن … في الاشهر والاسابيع الاخيرة ولأسباب ودوافع مجهولة حتى الآن ، اعلن الرئيس نبيه بري تمسكه بمبدأ الميثاقية الكاملة الشاملة في عقد جلسات مجلس النواب. وبسبب موقفه هذا تعطّـل مجلس النواب وتعطل معه اي اجتماع عام للتصويت على احد قوانين الانتخابات ، لأن غياب احد الطوائف يشكل بنظر الرئيس بري خرقاً للميثاقية التي يراها هو اجماعاً في حين يقول الدستور انها اكثرية الثلثين ، (ايا كان هذان الثلثان) يشكل ميثاقية، لأن التوافق الميثاقي هو بين المسيحيين والمسلمين وليس بين مذاهب هاتين الطائفتين حيث اكثرية الثلثين يكون فيها مسلمون ومسيحيون وبالتالي يكون قرارها ميثاقياً وهو المفروض ان يكون كذلك.
والسؤال الآخر الذي يمكن طرحه في هذا المجال هو ان اللجوء الى الميثاقية في عقد الجلسات واتخاذ القرارات هل يجب ان يكون بالاستناد الى عدد النواب ام بالاستناد الى الوضع الشعبي ؟

فاذا كان بالاستناد الى عدد النواب باعتبارهم ممثلين للشعب فان الكتل النيابية القائمة حالياً تضم نواباً من كل المذاهب، وان كان بعضها يضم اكثرية نيابية من مذهب معين. ولذلك تكون مقاطعة تيار المستقبل مثلاً ليست مقاطعة للطائفة السنيّة، وينسحب هذا الوضع ايضاً على كتل حزب الله وامل والتيار الوطني الحر وجنبلاط دون القوات والكتائب. وعلى هذا الاساس لا يجوز القول بعدم ميثاقية الجلسة اذا قوطعت من احدى هذه الكتل التي – وكما ذكرنا – تضم نواباً من جميع المذاهب تقريباً!
وما لفت انتباهنا في هذا المجال ايضاً هو ما صدر عن احد نواب جنبلاط عن ان احدى الجلسات التي قاطعها نواب الحزب التقدمي الاشتراكي وجبهة النضال لم تكن ميثاقية كما قال احد وزراء هذا الحزب ، علماً بأن كتلة جنبلاط مؤلفة من ثمانية نواب هم 4 دورز ومارونيان وكاثوليكي وسني، فكيف تكون مقاطعة هذا الخليط الطائفي والمذهبي خرقاً للميثاقية ؟ ثم انه معلوم ان الطائفة الدرزية ممثلة نيابياً بثمانية نواب، فاذا قاطع منهم اربعة وحضر الآربعة الاخرون فهل يشكل ذلك خرقاً للميثاقية ؟
بناء عليه ، تكون قصة الميثاقية قد اصبحت واحدة من قصص عديدة بحاجة الى توضيح وتفسير عملي ودستوري ، لأن هذه الميثاقية جرى استعمالها مؤخراً بطريقة عشوائية … وهو ما يجب ان نمنع حصوله وتكراره، حرصاً على ميثاق العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين وليس بين مذاهب هاتين الطائفتين !!

ولا يجب ان ننسى او نتناسى بأن الميثاقية اللبنانية تتناقض مع الديمقراطية اللبنانية ، اذ ان الميثاقية وحسب تفسيرات واجتهادات بعض الزعماء تفرض اجماع المذاهب على تأييد اي قرار حتى يصبح نافذا في حين ان الديمقراطية تفرض حصول القرار على اكثرية النصف او الثلثين في حالات معينة ليصبح نافذا ، وبناء على ذلك يجب اعتماد احد هذين المبدأين : الميثاقية او الديمقراطية ، لا الاثنين معا … وعند الحاجة !!
  

السابق
نريد استمرار الاستقرار في لبنان
التالي
بكركي – حزب الله… لقاء بلا التقاء