تعاظم الدور الروسي في الشرق الأوسط

شهدت العلاقات الروسية – الاسرائيلية الشهر الماضي توتراً ملحوظاً اثر الغارتين اللتين شنتهما إسرائيل على مخازن للسلاح قرب دمشق، وإعلان موسكو عزمها على تزويد سوريا صواريخ روسية متطورة رأت إسرائيل أنها تلحق الأذى بمصالحها الأمنية وتشكل خطراً مباشراً عليها، مما دفعها الى التهديد بأنها لن تقبل بدخول أسلحة روسية متطورة يمكن أن تنتقل لاحقاً إلى أيدي "حزب الله" وأنها ستتصدى لذلك بالقوة. وقد شكل التوتر والتضارب في المصالح الروسية – الإسرائيلية السبب للزيارة العاجلة التي قام بها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لموسكو منتصف الشهر الماضي للتفاهم مع الرئيس فلاديمير بوتين على صفقة السلاح المعلن عنها، ولتنسيق المواقف من الأزمة السورية وتطوراتها.

روسيا لاعب أساسي
لم يكن في وسع إسرائيل أن تتجاهل تعاظم الدور الروسي في المنطقة منذ بداية الثورة السورية وإعلان موسكو صراحة وقوفها الى جانب نظام الرئيس بشار الأسد ومعارضتها أي تدخل عسكري اجنبي في سوريا، وتمسكها ببقاء الأسد في السلطة، وطرحها رؤيتها الديبلوماسية لحل الأزمة السورية بالدعوة الى مؤتمر دولي يجمع أطراف النزاع، ورعايتها فكرة التفاهم على المرحلة الانتقالية في سوريا.
وما دام الموقف الاسرائيلي الرسمي من الحرب الدائرة في سوريا هو عدم التدخل الى جانب أي طرف من الأطراف، لم يحصل أي تضارب في المصالح بينها وبين روسيا. ولكن لم يكن خافياً على الإسرائيليين أن التراجع المتواصل لنفوذ الولايات المتحدة في المنطقة ترك المجال حراً أمام صعود النفوذ الروسي. ولاحظ الإسرائيليون استغلال الروس دورهم في الأزمة في سوريا من أجل الضغط على الأطراف الدوليين والإقليميين لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية سواء على الصعيد الدولي أو الإقليمي. ففي رأي الباحث تسفي ميغن من معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل أن سعي موسكو الى إيجاد حلول سياسية للأزمة السورية ومحاولاتها إقناع الدول الغربية بهذه الحلول تهدف قبل كل شيء الى خدمة مصالحها في المنطقة من خلال الدفاع عن "صمود المحور الراديكالي المؤلف من إيران وسوريا وحزب الله". وخلص أكثر من معلّق إسرائيلي الى أن الذي ساهم في تقوية الموقف الروسي ليس فقط الموقف السلبي للإدارة الأميركية وتردد دول الغرب في دعم الثوار، وإنما أيضاً صمود نظام بشار الأسد، وتشرذم المعارضة السورية، وبروز المنظمات المسلحة الجهادية في صفوف الثوار، وتصاعد مسار الأسلمة للثورة السورية. لكن صعود مكانة روسيا لم تكن تتضارب مع مصالح إسرائيل التي استقبلت مطلع هذه السنة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارة وصفت بأنها كانت ناجحة.

أزمة الصواريخ
وكشفت الأزمة التي أثارتها إسرائيل في شأن اعلان روسيا تزويد سوريا صواريخ متطورة من طراز "أس – 300" البعيدة المدى التي من شأنها تقيد حرية عمل سلاح الجو الاسرائيلي، وجود خلل في التنسيق بين موسكو وتل أبيب. وبدا لوهلة أن إسرائيل على وشك أن تدخل الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا بسبب المواقف من الحرب الأهلية الدائرة في سوريا ومواصلة الإدارة الأميركية المطالبة برحيل بشار الأسد.
ويبدو أن الغارتين اللتين شنتهما إسرائيل داخل الأراضي السورية مطلع الشهر الماضي، فسرهما الروس بأنهما تمهيد للتدخل العسكري الأجنبي في سوريا. من هنا ارتفاع حرارة التوتر بين البلدين.
وكان واضحاً منذ الوهلة الأولى بالنسبة الى إسرائيل أنه ليس من مصلحتها دخول مواجهة مع روسيا في المنطقة، وضرورة تفاهم البلدين على سبل المحافظة على مصالحهما المتقاطعة أحياناً والمتضاربة أحياناً أخرى. ولم يكن هذا بالامر الصعب نظراً الى أن إسرائيل لم تتخذ موقفاً قاطعاً ضد بشار الأسد، وما يهمها في الدرحة الأولى ليس رحيل الأسد بقدر ما يهمها استمرار الهدوء على حدودها في الجولان، ومنع قوع هذه المنطقة في قبضة الثوار الجهاديين القريبين من "القاعدة".
ويتقاطع هذا الموقف تماما مع الموقف الروسي الذي يدعي ان بقاء الاسد يضمن استمرار الهدوء على الحدود، وان سقوطه سيؤدي الى وقوع سوريا في قبضة الاسلام الراديكالي.
لكن ما يختلف فيه الاسرائيليون عن الروس هو موضوع تدفق الاسلحة المتطورة الى سوريا وانتقالها الى "حزب الله"، فهذا بمثابة "خط احمر" لن تقبل اسرائيل بتجاوزه، وقد سبق لزعمائها ان هددوا بالتصدي لذلك بالقوة.
اما التسوية السياسية التي تعمل عليها روسيا، او "الصفقة" التي يبدو ان وزير الخارجية الاميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف توصلا اليها الشهر الماضي والتي على اثرها اعلنا عن الدعوة الى عقد مؤتمر جنيف – 2، فلا موقف اسرائيليا واضحا منها. لكن ثمة تقديرات اسرائيلية متشائمة للنتائج التي يمكن ان يتوصل اليها هذا المؤتمر في حال انعقاده.
ففي رأي الخبير في مركز بيغن – السادات موردخاي كيدر ان الروس لا يزالون متمسكين ببشار الاسد، وهم سيحاولون ابقاءه في الحكم اطول فترة ممكنة كي يضمنوا ان تكون الجهة التي ستحل محله موالية لمحور روسيا – ايران – العراق – حزب الله. ويقول كيدر ان اقتراح الروس ارسال قواتهم للحلول محل القوات النمسوية التي انسحبت من مراقبي الامم المتحدة لفك الاشتباك في هضبة الجولان يصب في مصحلة اسرائيل، لانهم سيشكلون حاجزا يمنع تسلل الاسلاميين الراديكاليين الى منطقة الجولان. وفي المحصلة، اذا كان هناك توافق روسي – اميركي – غربي على الحل الديبلوماسي في سوريا، فان اسرائيل لن تقف ضده على الارجح او تعرقله نظرا الى ان نقاط الالتقاء في المصالح بينها وبين روسيا اكثر من نقاط الاختلاف.
لذا يمكن القول ان الخلاف الفعلي بين اسرائيل وروسيا ليس على المستقبل السياسي لسوريا او على مصير الاسد، ولا على المكانة الجديدة لروسيا في المنطقة، بقدر ما هو على ضرورة اخذ الروس في اعتبارهم المصالح الاسرائيلية لدى تزويدهم نظام بشار الاسد السلاح المتطور.

السابق
سليمان وقهوجي: بادرا أو ارحلا
التالي
المعتصمون أمام المجلس الدستوري: لبنان يشهد اليوم انتهاء شرعية المجلس