أعوذ بالله من الشيطان… والإخوان!

في التسعينات من القرن الماضي كان الإخوان المسلمين« في الخليج يتهمون كل من يعارضهم بالعلمانية, حتى أولئك الذين التزموا الحياد, وذلك من منطلق إن لم تكن معي فأنت ضدي! فأخرجوا الكثير من الكتاب والروائيين من الملة, ووصفوهم بالفسق واتهموهم بالكفر مطالبين بقتلهم ومحذرين المجتمع في الوقت ذاته من أطروحاتهم من دون نقاشهم فيما يكتبون.
ولم يتغير نهج »إخوان الخليج« منذ ذلك الوقت لكنهم في السنوات الأخيرة حدثوا قاموسهم فبدلا من مصطلح علماني اتقفوا على استخدام مصطلح ليبرالي. معتبرين أن الليبرالية تهمة معلبة لوصم كل من تسول له نفسه أن يناقش منهجهم, مؤكدين في الوقت ذاته أنهم دعاة حق وأوصياء الله على الناس في الأرض وفقا لما روجوا لأنفسهم طويلا. فكانت ومازالت تفتح لهم القنوات الفضائية وأبواب الجامعات ويحصلون على أفضل الوظائف, لا لأنهم يملكون الشهادات العليا وإنما لأنهم أصحاب اللحى الطويلة وهذا يعتبر جواز مرور في المجتمعات.
لكن الصورة الذهنية النمطية بدأت تتغير في عقل المجتمع العربي بعد الربيع العربي وخصوصاً مع تغير خارطة الأدوار السياسية, ووصول »الإخوان« الى سدة الحكم في دول عربية عدة وبعد أن قدموا مشهدا تراجيديا من البكاء على سنوات السجن فكان البكاء ثمنا بخسا لشراء ثورة لم يكن لهم فيها يد ولكنها أهدتهم كرسي الرئاسة. إن ما أحدثه الربيع العربي كشف عورات »إخوان« الخليج وسقطت جميع شعاراتهم الماضية من خلال دعمهم لحكومة مرسي وسعيهم الى الاستحواذ على السلطة آملين بأن يملكوا السلطة أو على الاقل يكونوا صناع قرار في دول الخليج خصوصاً وان مرجعيتهم وصلت الى السلطة في دول عربية عدة, فلم تكفهم السلطة الاجتماعية فذهبوا يكتبون ويبكون على سورية ويتهمون الحكومات الخليجية على موقفها تجاه سورية, رغم ان الجميع يعرف ماذا تفعل حكومات الخليج لدعم الثورة السورية, ليس ذلك فقط, بل انهم وصفوا الرئيس مرسي "أمير المؤمنين" وبخاصة حينما ذهب إلى زيارة ايران وقال ما قال انتشى وقتها »إخوان« الخليج والبسطاء ولكن الأيام هي من أثبتت ان مرسي ومرشده ليسا إلا أبناء بررة لنظام إيران, وأن عليهم أن يقوموا برد الجميل إلى إيران التي دعمت وصول الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم.
لقد كان موقف الرئيس المصري تجاه سورية وارتماؤه في أحضان إيران فاضحا لحقيقة العلاقة بين الإخوان المسلمين, ونظام ولاية الفقيه, فسقطت ورقة التوت وانكشف السر الذي أخفاه »الإخوان« طويلا خلف دموع التماسيح وبخاصة بعد إعلان عودة القائم بأعمال السفير المصري إلى دمشق في الوقت الذي أدان فيه العالم المجازر التي تجري على يد نظام الأسد. ربما كان جديرا بالإخوان المسلمين محاولة حفظ ماء الوجه بعد خيبتاهم الكثيرة فيبقوا القائم بأعمال السفير بينهم في القاهرة من باب الحفاظ على سلامته.
إن قرار مرسي وضع »إخوان« الخليج ومناصريهم في مأزق شديد فلطالما تغنوا بالدفاع عن سورية, ولكنهم لا يملكون شجاعة العودة إلى الحق, فيعلنوا "أن الأخوانية خدعتنا وأننا إلى ربنا تائبون".
مشكلة »إخوان« الخليج أنهم سوقوا لأنفسهم على أساس أن غيرهم إما جامية أو ليبرالية مدعين أنهم يملكون مفاتيح الخلاص وفي الوقت ذاته لا يعترفون أن الجماعة التي يؤمنون بمبادئها مازالت تتلقى الدعم من إيران عبر تاريخها.
ليست قضيتنا مناقشة حق الانتماء إلى حزب بعينه فذلك حق مشروع, ولكن قضيتنا عن الالتزام بالمسؤولية المترتبة على هذا الانتماء. فمن منطلق انصر أخاك ظالما أو مظلوما انطلق »إخوان« الخليج في تمجيد كل ما يصدر عن مرسي رغم أن غالبية قرارات مرسي أثبتت فشلها, وأولها مشروع النهضة الذي هلل له »إخوان« الخليج وكبروا فلما فشل وتضخمت ديون مصر قالوا إنما هو قضاء وقدر. إن »إخوان« الخليج ليسوا عامة لا يسمع لهم أحد, بل هم أساتذة الجامعات ومشايخ وكتاب لهم مريديهم وأنصارهم, يبحثون عن كرسي على الخارطة السياسية.
على »إخوان« الخليج ألا ينسوا ان الكثير من شبابنا الذين قضوا سنوات طويلة في سجون العراق وغوانتانامو أو قتلوا وهم يحملون لقب إرهابي بعد أن أوهموهم بكذبة التكفير والتغريب في الوقت الذي لم يجرؤ أحد منهم على فعل ما يدعو إليه وإنما بقيوا في أسرتهم الحريرية بين أيدي زوجاته!
إننا حين نستعيذ بالله من الشيطان و»الإخوان« فنحن لا نبالغ. فالشيطان وسوس لآدم وحواء حتى أخرجهما من جنة الخلد وهو على استعداد لعمل أي شيء في سبيل جر أبناء آدم إلى هاوية الجحيم, وكذلك الإخوان الذين يؤيدون مرسي وحكومته التي مازالت تستضيف السفير السوري في قاهرة المعز وأصدرت الأوامر بعودة ممثليتها الديبلوماسية واستئناف العمل في سورية في مبادرة تؤكد دعما ضمنيا لحكومة الأسد بقتل الأبرياء, فهل هناك ما هو أكثر شيطانية من المجاهرة بدعم الإرهاب والإبادة?  

السابق
ما بعد القصير
التالي
هل الصلاة الموحدة ستنهي الفتنة في المنطقة؟