موسكو أقنعت دمشق وواشنطن تواجه صعوبات

لم يكن إعلان واشنطن عن دعم المعارضة السورية المسلّحة، الذي تزامن مع إعلان رئيس أركان «الجيش السوري الحرّ» سليم ادريس عن حاجة جيشه الى سلاح لتقوية موقفه في المفاوضات، التي لا يريد دخولها وهو ضعيف، إلّا إعلاناً اميركياً غير مباشر عن أنّ مسار الأزمة السورية محكوم بالحوار وبالتفاوض، وانه اذا كان لا بدّ من دعم المعارضة، فلأجل تقوية أوراقها وداعميها في أي مؤتمر مقبل للحوار أو التفاوض.

ويردّد ديبلوماسيون مطلعون ان انعقاد مؤتمر "أصدقاء سوريا" في الاردن، وعلى نحو محدود، هو لوضع الاطراف المعنيّة بالأزمة السورية في اجواء مسار أطلقه لقاء لافروف ـ كيري الأخير في موسكو، الذي وضع ما يشبه خريطة الطريق لإقناع الاطراف المتنازعة في سوريا بعقد مؤتمر جنيف ـ 2.

ويلفت الديبلوماسيون الى ما أعلنه مسؤولون أميركيون عن تقدّم ميداني للجيش السوري هو اقرار يتضمّن دعوة صريحة للمراهنين على الحل العسكري في المعارضة الى الانخراط في التسوية المطروحة.

ويشدّد هؤلاء الديبلوماسيون على ان لافروف وكيري تعهّدا ان يتولى كل منهما اقناع الاطراف الحليفة له بالانخراط في مؤتمر جنيف ـ 2. وقد نجح الروس في اقناع النظام السوري بالمشاركة في هذا المؤتمر، وهو ما ابلغه نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لموسكو خلال زيارته لها حالياً.

ولكن المصاعب التي تواجه واشنطن تبقى اصعب بكثير من تلك التي واجهتها موسكو، فواشنطن تعلم انها حتى ولو نجحت في اقناع الاطراف المعتدلة في المعارضة السورية المسلّحة بحضور مؤتمر "جنيف – 2"، فإنها لن تستطيع ذلك مع "جبهة النصرة" وأخواتها لأن لها استراتيجية خاصة في سوريا والمنطقة لا يمكن للولايات المتحدة وحلفائها الغربيّين تحمّل نتائجها.

ولقد جاءت رسالة جديدة من الاتحاد الاوروبي برفض رفع الحظر على تسليح المعارضة رغم الاستماتة الفرنسية والبريطانية لانتزاع قرار من هذا النوع، لتؤكد ان هناك ضغوطاً جدية على المعارضة للانخراط في مفاوضات مع النظام وتبرئة نفسها من تهمة التعاون مع جهات متطرفة في سوريا، خصوصاً ان هجمات المتشدّدين تنتقل من دولة غربية الى أُخرى، والحادث الذي شهدته لندن امس يؤكد ان شبح الارهاب ما زال مخيماً على الغرب الذي بعض حكوماته يدعم الارهاب في سوريا.

ويؤكد الديبلوماسيون ان مؤتمر "جنيف – 2" اذا انعقد في حضور جميع الاطراف المعنية، بما فيها المعارضة المسلحة، والسعودية وايران فإنه لن يحقق الحلّ الناجع للأزمة السورية، ولكنه يفتح الطريق لمبادرات ومؤتمرات أُخرى يُعالج كل منها جانباً من جوانب الازمة وطرفاً من اطرافها.

ويربط الديبلوماسيون بين تطوّرات الازمة السورية وبين تطوّرات ازمة الجنود المصريين الذين خطفوا في شمال سيناء ونجح الجيش المصري في تحريرهم في ما اعتُبِر دعماً قوياً له ولمخابراته.

والعالمون بالاوضاع المصرية يدركون ان الجيش كلما تقدم خطوة على طريق النجاح، رجحت كفة الداعين المصريين الى ترجيح كفة الحل السياسي السوري، وهو خطاب بدأ يتكرر اخيراً على لسان مسؤولين مصريين بمن فيهم الرئيس محمد مرسي نفسه. ولا يُستبعد ان يكون هذا التحوّل المصري بداية تحولات في مواقف دول عربية تدرس الآن اعادة العلاقات الديبلوماسية مع سوريا على غرار مصر.

وهي تحولات تكشف بداية تحول في المزاج الشعبي العربي تجاه الازمة السورية، خصوصاً بعد العدوان الاسرائيلي الاخير على دمشق، حيث بات واضحاً ان هذه الازمة لم تعد مشكلة بين النظام وشرائح شعبية كما بدا الامر في البداية، بل ان ما يحاك لسوريا هو اكبر بكثير من مجرد كون سوريا ساحة جديدة من ساحات الربيع العربي.

أمّا لبنان، فقد بات واضحاً ان النظام السوري على وشك الامساك بكل حدوده معه، خصوصاً بعد معركة القصير وريفها والمعارك في ريف دمشق. وهو تطور ستكون له انعكاساته داخل لبنان، لأن سوريا المؤثرة فيه تاريخياً ليست سوريا الشمالية، أو الشمالية الشرقية حيث ما يزال للمسلحين نفوذ، وإنما سوريا الممسكة بالحدود من طرطوس الى مرتفعات الجولان.

وهذا التطور النوعي يفسر التصعيد الامني في طرابلس، والمخاوف من امتداده الى صيدا وبعض احياء بيروت، لأن الذين تورطوا في الدعوات الى الجهاد في سوريا يواجهون، حسب العالمين بأوضاعهم، مأزقين: أوّلهما تجاه المسلحين الذين أُرسلوا من لبنان ليواجهوا الموت، أو الأسر، في سوريا.

وثانيهما هو ان خسارة المواقع الحدودية تعطل مشروعاً يعدّ لتقسيم لبنان من خلال سوريا، أو العكس.ولذلك تزداد احتمالات ربط الازمتين الحكومية والانتخابية بالتطورات الميدانية السورية، لأن موازين القوى تميل لمصلحة النظام وحلفائه اللبنانيين.

وما إعلان النائب سليمان فرنجية، وهو احد المرشحين الجدّيين لرئاسة الجمهورية، عن دعمه الكامل لسوريا وحزب الله "في القصير وغير القصير"، إلا مؤشر الى ارتفاع معنويات حلفاء دمشق وتنفّسهم الصعداء بعد عامين ونيف من حبس الأنفاس وسماع مواعيد متعدّدة لسقوط النظام.

السابق
إسرائيل تحذر: الحرب مع سوريا على ثلاث جبهات قد تندلع فجأة
التالي
بلاد مقوّصة!