حزب الله والأمر الواقع

حذر «حزب الله» والقوى السائرة تحت جناحيه الرئيس المكلف تمام سلام من تشكيل «حكومة أمر واقع»، وهددوا أن حكومة كهذه ستعرض الاستقرار في البلد للخطر. واقع الأمر أن إصرار «حزب الله» على الثلث المعطل في الحكومة الجديدة هو المحاولة الحقيقية لفرض «الأمر الواقع» على الحكومة وعلى البلد. فالحزب الذي يفرض أمره الواقع على الوضع الأمني في لبنان، يريحه ساعة يشاء ويعطله عندما لا يلائم السلم مصالحه ومشاريعه، لا يجد أي حرج في أن يطالب بالتصرف كرقيب وحيد على ما يعتبره سلامة الأداء الحكومي، من خلال الإمساك بورقة التعطيل، من دون أن يراعي حتى رغبة سلام في أن يكون هو هذه الضمانة، كونه صاحب الحق الدستوري في تشكيل الحكومة بالطريقة التي يراها مناسبة، بالتفاهم مع رئيس الجمهورية. ويتجاهل «حزب الله» أن الحكومة لا تحتاج إلى الحصول على ثقة الأطراف السياسيين الممثلين في المجلس النيابي قبل تشكيلها أو خلال مشاورات التشكيل، بل هي تحتاج إلى الحصول على ثقة غالبية المجلس لمباشرة عملها وتولي مسؤولياتها بعد تشكيلها وليس قبل ذلك.

غير أن «حزب الله» يستقوي على عملية التأليف وعلى كل مؤسسات البلد وأحزابه بقوة التخويف التي فرضها على القادة اللبنانيين بهدف الرضوخ لإرادته وقراراته. ويتفق سلوك الحزب هذا مع نظرة قيادته وأعضائه إلى أنفسهم على أنه «أشرف الناس»، مع ما يضمره ذلك من نظرة دونية إلى الآخرين، إضافة إلى فائض القوة الكامن في ترسانة الحزب والمعدّ للاستخدام، حيث تتوافر الحجّة والحاجة، من دون أن يصعب العثور على ذريعة لذلك، كما ظهر من خلال مشاركة مقاتلي الحزب في الحرب السورية.

ومن البديهي لمن يحمل صفة «أشرف الناس» أن لا يقيم أي وزن لمواقف سائر المواطنين ولمصالحهم. ذلك أنه يشكك من الأساس في وطنية هؤلاء وفي نزاهتهم. ولهذا السبب يفرض «حزب الله» على كل السياسيين خوض امتحان يومي أمام محكمته الحزبية والإعلامية، ليثبتوا حسن سلوكهم وجدارتهم.

يضع «حزب الله» بسلوكه هذا فريقه ومعظم الطائفة الشيعية في لبنان في موقع المواجهة مع سائر فئات البلد وتياراته وطوائفه. غير أنه كما يبدو لا يقيم أي وزن أو اعتبار لذلك. فهو يتصرف حيال تشكيل الحكومة وكأنه وصيّ على الدولة ورئيسها ومؤسساتها، وعلى رأسها مؤسسة مجلس الوزراء. حتى أنه يعتبر أنه قدّم خدمة للطائفة السنية بموافقته على رئيس للحكومة «من الفريق الآخر». لقد بات ما يناسب مصلحة الحزب مطابقاً للدستور أو لتفسيره له، وما يخالف هذه المصلحة مخالفاً لما يسميه «الميثاقية»، حيث يتعرض المخالف للحملات الإعلامية ولتهديد الاستقرار الداخلي وحالة السلم الهش القائمة في البلد.

ويستخدم «حزب الله» حجة «الميثاقية» بالشكل الذي يخدم هيمنته الكاملة على الطائفة الشيعية، بواسطة القوة المعروفة، بعد أن تمكن من إلغاء أو إسكات العائلات والأحزاب والأصوات الأخرى في هذه الطائفة. بحيث بات وجوده في الحكومة أو عدم وجوده هو الذي يعبر عن تمثيل الطائفة الشيعية بكاملها. ولا ينطبق ذلك على أي طائفة أخرى، بعد أن تمكن الحزب من اختراق الطائفة السنية ما يتيح العثور على قيادات مؤيدة له فيها، كما اخترق الطائفة المارونية بواسطة «التفاهم» الشهير، فبات بالإمكان استبعاد القيادات التي تحتل موقعاً معتبراً في الشارعين السني والماروني، من غير أن تتمكن هذه القيادات من الاستقواء بحجة العيب «الميثاقي»، وهو ما فعله «حزب الله» في حكومة نجيب ميقاتي المستقيلة.

وإذ يطالب «حزب الله» بالتحكم بمصير الحكومة، من خلال إصراره على الحصول على تلك البدعة الدستورية التي أطلق عليها «الثلث المعطل»، فإنه يضع مواقفه وحساباته السياسية ومصالحه الإقليمية في موقع أرفع من الدستور نفسه، بل أرفع من مصلحة البلد ككل. فقد استخدم الحزب هذه الضمانة التي طالب بالحصول عليها في حكومة سعد الحريري السابقة، لإسقاط تلك الحكومة، خدمة للقرار والمصلحة السورية في ذلك الوقت، من دون أن يقيم أي وزن لتأثير ذلك على الاستقرار الداخلي وعلى التوازن بين الطوائف والمؤسسات. لقد أثبتت تلك التجربة وبدعة «الوزير الملك»، أن قرار التحكم بالحكومة يتخذ من جانب «حزب الله» خدمة لمصالح خارجية، ترتبط بالنظامين السوري والإيراني، وهي المصالح التي يضعها «حزب الله» على رأس أولوياته. ولا علاقة للأداء الحكومي، من قريب أو من بعيد، بما يزعمه الحزب من حرص على المصلحة الوطنية الداخلية.

السابق
مارادونا يرفع الوشاح الفلسطيني
التالي
اللبنانيون يهلوسون… ويتساءلون