حكومة ثلاثينية بثلث مرجّح

يبدأ بعد ظهر اليوم الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام مهمته "الشكلية" لتأليف الحكومة في استشارات غير ملزمة مع الكتل النيابية. وهذه الاستشارات لا تعدو كونها بروتوكولية الشكل لكنها في المضمون ليست الا لقاء تعارف سياسي بين ام ووليدها الجديد ان صح التعبير. فانطلاق التشكيل او تعثره مرتبط ارتباطاً عضوياً بخريطة التوافق التي سمت سلام بالاجماع وهذا الاجماع الذي ركز عليه الرئيس المكلف اكثر من مرة، ووفق مصادر وزارية متابعة ليس الا توافقاً سعودياً – ايرانياً بمباركة اميركية واوروبية لبقاء الساحة اللبنانية مستقرة في ظل انعدام الافق على الارض السورية والتي تعلو السنة اللهب فيها كلما اقترب الحديث عن مخرج او حل او تسوية ما.
اذن لا ضير من نصف تسوية او فك لبنان عن ربط النزاع السوري بالصراع القائم في المنطقة. فلم يعد الوضع في لبنان يحتمل المزاح او التراخي بعد ان قوي عود الحركات السلفية في اكثر من منطقة لبنانية وميلها وفق عشرات التقارير الاميركية والاوروبية الى التسلح بأسلحة متنوعة وبكميات كبيرة وهذه التقارير التي وصلت الى المراجع الامنية المعنية بشكل موثق ومفصل ساهمت في الايام الماضية باكتشاف اكثر من مخزن اسلحة واحباط محاولات نقل سلاح داخل لبنان لجهات متطرفة.
الاتهام الصريح لكل من الشيخين احمد الاسير وسالم الرافعي وعملهما في فلك يخدم مصلحة "حزب الله" والذي عبر عنه الامين العام لتيار المستقبل احمد الحريري قبل اسبوع من استقالة الرئيس ميقاتي لم يكن الا اشارة الى انطلاق الدور السعودي في لبنان مجدداً بعد انكفائه طوال عام و8 اشهر لمصلحة التدخلات القطرية التي سعت جاهدة الى شق منفذ لبناني في خاصرة نظام الرئيس بشار الاسد وهذا المسعى لا يمكن ان يتحقق من دون تغذية حالات الاحتقان السنية من الهيمنة التي مارسها حلفاء سورية وازاحتهم الرئيس سعد الحريري وقوى 14 آذار عن السلطة نهائياً. استعادة الدور السعودي لم يكن له ان ينجح الا باستقالة ميقاتي في توقيت اختاره بنفسه وفرض ايقاعه على قيادة 8 آذار التي استمهلته حتى تكتمل خطوط الاتفاق الاولية بين الايرانيين والسعوديين فاختار ميقاتي ان يكون سبب استقالته التمديد للواء اشرف ريفي حيث وعد الاول بعودته الى تشكيل حكومة تشارك فيها كل القوى اللبنانية وتجري الانتخابات وتريح الاجواء المحتقنة.
المباركة الايرانية والسورية ضمناً لنصف الحل الاقليمي في لبنان دفع بكل من حزب الله والتيار الوطني الحر الى اعلان تسميتهما سلام والاستعداد للتعاون معه انطلاقاً من الضمانات التي قدمت الى الايرانيين بالحفاظ على المقاومة وبقاء الشرعية الداخلية عليها في بيان وزاري يحافظ على سلاح المقاومة ويكرس عملها وشرعيتها على غرار الحكومات السابقة.
وتشير المصادر الوزارية الى ان اجتماعاً موسعاً لقوى 8 آذار افضى الى خطوط عريضة ستقدم اليوم الى سلام وترتكز على عدم ممانعتها في الانطلاق من اعلان بعبدا بعد تعديل النواقص فيه ولا سيما في الشأن المتعلق بالمقاومة وسلاحها وطريقة عملها .وتعديل اعلان بعبدا وجد آذاناً صاغية عند رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي ابلغ وفداً منها زاره اخيراً ان اعلان بعبدا بصيغته الحالية جاء بعد اخذ ورد كبيرين وانتهى الى هذه الصيغة لكنها ليست نهائية ومنزلة وليست قرآناً منزلاً.
المداورة في الحقائب وكسر الاحتكار الشيعي والسني والمسيحي لبعض الحقائب لن يكون عقبة فربما تعود الخارجية الى الموارنة والمالية الى الشيعة والداخلية الى السنة والاتصالات الى الدروز لكن 8 آذار تفترض ان الحقائب الامنية تتطلب نقاشاً واسعاً ومستفيضاً نظراً لحساسية الاوضاع في لبنان والمنطقة.
خروج النائب سليمان فرنجية عن خط الاجماع في 8 آذار عن تسمية سلام لم يكن الا قراراً شخصياً محضاً ذي طابع انتخابي، فقبل تظهير تكليف سلام بيومين خرج فرنجية من عين التينة بعد اجتماع لاقطاب الاكثرية ليقول ان هذه القوى لن تسمي مرشحاً محسوباً على 14 آذار او من صفوفها لكن العكس حدث بفعل التوافق المذكور. ووفق هذه المصادر فإن فرنجية ابلغ حلفاءه عند تسمية سلام انه لا يمكنه ان يمسح كلامه من دون ارتدادات على قاعدته الزغرتاوية التي تعتبره ثابتاً في مواقفه وزعيماً لا يتأثر بالضغوطات، فتسمية سلام على ابواب الانتخابات "تسمي" عليه في آن معاً الا انه اوفد النائب اميل رحمة للقاء سليمان وسلام وابلغهما بموقفه.
الصيغ التي تنقلت بين المقار الرسمية لم تكن كثيرة الا ان اكثرها تداولاً كان صيغة الحكومة المؤلفة من 15 مقعداً 5 لسليمان وجنبلاط و5 لـ8 آذار و5 لـ14 آذار على ان تكون مقاعد الوسطيين الخمسة هي الثلث المرجّح بعد سحب الثلث المعطل من التداول، لكن هذه الصيغة لم تكن مرضية لانها ستحشر كل فريق من الداخل فلا يمكن ارضاء كل الكتل التي اجمعت على تسمية سلام بـ15 مقعداً فقط، وتشير المصادر الى ان 8 آذار ستنطلق من حكومة سياسية موسعة من 30 مقعداً مقسمة الى 10 للوسطيين و10 لكل فريق.
تسهيل التأليف سيكون عنوان كل القوى السياسية ورغم الدفع الاقليمي المساعد الا انها لن تبصر النور قبل الاتفاق على قانون مختلط للانتخابات بين الاكثري والنسبي والبيان الوزاري وآلية لتأجيل الانتخابات لانهاء الاستعدادت اللازمة والتمديد لمجلس النواب لـ6 اشهر على ان لا تتجاوز ولاية هذه الحكومة العام الواحد.

السابق
يرفع درجة حرارة الجسم
التالي
كونيللي: الشعب يستحق حكومة تعمل على تعزيز استقرار لبنان