أين القمصان السود؟

على الرغم من الأسئلة العديدة التي من الممكن أن تطرح في هذه الأيام، عن المرحلة التي تلت استقالة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لا سيّما ما حصل في اليومين الماضيين من مشاورات بين الأفرقاء السياسيين، وصولاً الى طرح اسم النائب تمام سلام من قبل قوى الرابع عشر من آذار على أساس أنه شخصية «حيادية» لترؤس الحكومة المقبلة، هناك سؤال لا بدّ من طرحه على قوى الرابع عشر من آذار التي عليها أن تقدم الإجابة عنه الى جمهورها، قبل أن تقدمه إلى جميع اللبنانيين، بحسب قراءة مصادر سياسية متابعة.
وتشير هذه المصادر الى أنه منذ اللحظة الأولى لتسمية نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة المستقيلة، خرجت قوى الرابع عشر من آذار بخطاب موحد، لم تتوقف عن ترداده طوال عمر هذه الحكومة، عن دور «القمصان السوداء» في قلب المعادلة السياسية، بعد أن اختار رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط، اضافة الى ميقاتي ووزير المالية في حكومة تصريف الأعمال محمد الصفدي، التحالف مع قوى الثامن من آذار وتكتل التغيير والإصلاح، بعد استقالة حكومة سعد الحريري، وقالت هذه القوى الكلام الكثير حول هذا الموضوع، انطلاقاً من تهديد النائب جنبلاط، وصولاً الى «سرقة» الأكثرية النيابية منها، ناهيك عن الحديث عن الانقلاب المسلح، الذي أظهرت الأيام أنها، من خلال جماعاتها المنتشرة في العديد من المناطق، أول من يستخدم هذا الأسلوب من أجل تحقيق مطالب سياسية معيّنة.
وفي هذا السياق، تسأل المصادر السياسية قوى الرابع عشر من آذار عن «سبب اختيار جنبلاط في هذه المرحلة تبنّي مرشحها الى رئاسة الحكومة، وعما اذا كان هناك من تهديدات وجهت اليه من قبل أحد الأطراف، أم أنّ هناك عرضاً ما قدّم له وسيحصل عليه في الحكومة المقبلة، أو أنّ إحدى الدول الاقليمية فرضت عليه هذا الأمر؟» وترى أنّ ما حصل في هذه الأيام ينفي كلّ الادعاءات التي ساقتها هذه القوى على مدى العامين المنصرمين، حيث اختار رئيس الحكومة أن يقدّم استقالته بكلّ حرية ومن دون أن يفرض عليه أحد أن يغيّر رأيه، لا بل من دون التنسيق مع حلفائه الذين كانوا يُتهمون بأنّ الحكومة تابعة لهم، كما اختار رئيس جبهة النضال الوطني الانتقال الى الضفة المقابلة بكلّ حرية، ولم يجبره أحد على البقاء في صفوف قوى الأكثرية.
وترى المصادر أنّ التغييرات في المواقف التي حصلت في الأيام الأخيرة، نابعة من تبدّل في المعطيات الإقليمية والدولية، التي دفعت في البداية ميقاتي الى تقديم استقالته، ومن ثمّ دفعت بجنبلاط الى تبني مرشح تيار المستقبل الى رئاسة الحكومة، وتشير الى أنّ هذا التبدّل لا يمكن أن ينكره أيّ عاقل، لا سيّما في ظلّ استمرار الأزمة السورية، التي لم تكن قد بدأت عند التبدّل في المواقف قبل عامين، وتشدّد على أنه لو كانت «القمصان السوداء» هي التي فرضت تبديل المواقف في المرحلة السابقة، فإنه من الممكن أن تستخدم في هذه المرحلة أيضاً من أجل الحفاظ عليها، حيث من مصلحة قوى الأكثرية الاستمرار وحدها في السلطة في هذه المرحلة الحساسة على الصعيدين المحلي والإقليمي.
في المحصلة، تشدّد هذه المصادر على أنّ المصالح السياسية وغير السياسية عند جنبلاط وميقاتي، هي التي فرضت عليهما التحالف مع قوى الأكثرية في السابق، وهي من فرضت عليهما الانتقال الى الضفة المقابلة في هذه المرحلة، وهي من سيحدّد موقعهما في المستقبل القريب أو البعيد.

السابق
4 ملايين لاجىء في سوريا
التالي
صوري مع السقا لحظات تذكارية