7 أيار صيداوي

الشائعات التي طاولت السيّد حسن نصرالله والشيخ نعيم قاسم وغيرهما، وتحدثت عن انفجارات ووقائع أمنية لا يمكن تصنيفها إلّا كونها غير بريئة، والجهة أو الجهات التي قامت بها إمّا هاوية أو مضللة، والأرجح أنها تنتمي إلى الفئة الثانية بهدف تصوير «حزب الله» أنه مستهدف، ورفع أي مسؤولية أمنية عنه لدى وقوع عمل معيّن ووضعه في خانة جرّه إلى الفتنة.

الشائعات الأمنية غالباً ما تكون أهدافها محددة ببُعدين: التمهيد لاستهداف الفريق المعني بالإشاعة، أو أن يكون الطرف الذي طالته هذه الإشاعة يهيئ المناخات الشعبية والسياسية لافتعال حادث أمني وإبعاد كل الشبهات عنه.

ففي الحالة الأولى، لا يمكن تشبيه وضع "حزب الله" بوَضع "القوات اللبنانية" في العام 1994، ولا بوَضع الشهيد رفيق الحريري في عامي 2004 و2005، لأنّ الحزب ما زال الحلقة الأقوى ربطاً بترسانته العسكرية وتحالفاته الإقليمية. وبالتالي، هو في موقع المُستهدِف لا المُستهدَف، إلّا في حال تلقّيه معلومات عن تفجيرات، لا سمح الله، ستستهدف الأحياء الشيعية، ولا يبدو أن في الأفق شيئاً من هذا القبيل حتى اللحظة.

غير أن أي عمل إرهابي وتخريبي من هذا النوع يتحمّل الحزب وحده مسؤوليته المباشرة نظراً لانخراطه العسكري والأمني في الأزمة السورية ومساهمته الأساسية في توجيه أنظار الأصوليين السنة باتجاه الدور الشيعي ممثّلا بـ"حزب الله" في دعم النظام الأسدي.

وفي الحالة الثانية، أي التمهيد لعمل أمني، يكفي رَبط موجة الإشاعات بحديث السيد نصرالله الذي ظهر فيه من جهة بمظهر الحريص على وحدة البلد واستقراره ورفض الفتنة والتشنّج في محاولة لإبعاد أي شُبهات عن عمل أمني يقوم به الحزب، ومن جهة أخرى بإطلاقه مجموعة مواقف معبّرة بدلالاتها، ومن أبرزها: "كل الوقائع تؤكد الدفع لاقتتال يأخذ طابعاً سنياً – شيعياً"، "اعتقد أن هناك من يريد أن يجعل بيننا وبين الفتنة أياماً قليلة"، "هل المطلوب جَرّنا لقتال"؟ "ما حدا يعمل معنا حسابات غَلط"، "لا نريد أن ندخل إلى بيت أحد، ولا إلى مسجد أحد" (…).

وإذا لم يستجد شيء في الأيام القليلة المقبلة، فيعني أن "حزب الله" صَرف النظر عن عملية أمنية معينة. وخلاف ذلك يعني توقّع حصول شيء ما من قبيل استهداف شخصية تنتمي إلى الحزب أو التعرض لبيئته الحزبية، ما يبرّر قيامه بردّ فِعل يؤدي إلى التخلص من شخصية معينة أو ما شابه. وبالتالي، بيت القصيد أنه لا يمكن تفسير كلام السيد نصرالله إلّا كونه تحذيرا وتحضيرا وتهيئة لعمل أمني ما، بمعنى افتعال حادث معيّن والرد عليه في عملية لا ترتقي إلى 7 أيار وذيولها تبقى محدودة ومضبوطة…

فالرسالة الأساسية التي رغب نصرالله في توجيهها من ضمن الرسائل الأخرى أنّ صيدا ليست طرابلس، ولن يسمح باستنساخ مشهد جبل محسن-باب التبانة، نظراً لموقع صيدا الاستراتيجي واعتبارها خطاً أحمر، الأمر الذي يجعل الشيخ أحمد الأسير أمام احتمال من اثنين: إمّا التراجع والانكفاء، وبالتالي ضرب صورته وصدقيته بعد تراجعاته المتواصلة، أو استكمال المواجهة وتسعيرها مع ما يترتب عن ذلك من أخطار وتداعيات…

إطلالة السيد نصرالله الأخيرة تشبه إطلالته عشيّة 7 أيار، وقد دعا المسؤولين والعقلاء للتحرّك قبل فوات الأوان على طريقة "أعذر مَن أنذر". وبالتالي، السؤال اليوم: هل البلاد أمام 7 أيار صيداوي؟

ويبقى أنه بمعزل عمّا يمكن أن يحصل في صيدا وغيرها أو عدمهما، وبمعزل عمّا يعدّ له "حزب الله" أو عدمه أيضا، إلّا أن الثابت بأنّ تورّط الحزب سوريّاً وتوجهه الإلغائي لبنانيّاً سيقود عاجلا أم آجلا إلى ما حذّر منه السيّد.

بينما الاستمرار في انتهاج السياسة نفسها سيجعل الحزب أوّل من سيدفع ثمن سياساته. وتلافي المحظور يبدأ من خلال الآتي: وَقف تدخّله في سوريا، نَشر الجيش على الحدود، التخلّي عن السياسة الإلغائية حيال "المستقبل"، فتح حوار جدي حول سلاحه..

السابق
بحر حمص يضحك: هذه أرضنا 
التالي
مرحلة جديدة…