أوفردوز نسبيّة من تيّار المستقبل

وافق تيار المستقبل على النسبيّة في ظل السلاح. يأمل مسؤولو التيار الأزرق أن يذوق خصومهم سمّ النسبيّة، متوقّعين شرذمة «البلوك» الشيعي من خلال نجاح شخصيات مستقلة. لكن 30% نسبيّة لا تقدم ولا تؤخّر

«أوفردوز شيعي في غير محلّه (مكاناً وزماناً)»، الكلام للناشط الشيعي لقمان سليم، على لسان صديقه سعيد الجنّ (شخصية وهمية تمثّل صوت الحكمة لدى سليم) على موقع الفايسبوك، «تعليقاً على خطاب سعد الحريري في الذكرى الثامنة لاغتيال والده». والـ«أوفردوز» لم يقتصر على ذلك الخطاب، بل إن تيار المستقبل فاجأ الجميع، قبل خطاب الحريري، بـ«حقن» جرعة «عالية» من النسبية (ثلاثون في المئة من مقاعد المجلس) في طرحه الانتخابي، في اللجنة المكلفة دراسة قانون الانتخاب، بعدما كان يرفض بشكل حاسم النسبية «في ظل السلاح».
المصطلح الذي استخدمه سليم (أوفردوز) يحيل إلى احتمال حصول «إدمان شيعي» لدى تيار المستقبل، ومتى أدمن المرء، فإنه يطلب جرعات دائمة من «المادة» التي أدمن عليها. والحال أن تيار المستقبل يبحث، كل الوقت، عن جرعات «شيعية» تسكت إدمانه، وتشبع رغبته المعلنة بـ«تعزيز الاعتدال بين الشيعة»، وهذا يكون بدعم خطاب شيعي ــــ سنيّ، أي أنه خطاب من قاموس تيار المستقبل وأدبياته، لكنه يأتي على ألسنة شخصيات شيعية مقربة منه وناطقة باسمه. ويكون أيضاً، كما يعتقد سعد الحريري، بقبول تجرّع بعض من السمّ الذي يطبخه لحزب الله، وهو النسبية.
هكذا، تتحول النسبية إلى المادة التي يظن تيار المستقبل أنها سمّ كفيل، إذا ما دسّه في «عسل» الانتخابات (ولو في ظل السلاح)، أن «تقتل» مقاعد محسومة لحزب الله وأمل. لكن، هل تكفي الثلاثون في المئة من المقاعد، وهي نسبة النسبية في اقتراح القانون المقدم من تيار المستقبل، لتأمين خرق كتلة الثنائية الشيعية بنواب من قوى الرابع عشر من آذار في مناطق نفوذ حزب الله؟
لقمان سليم لم يشأ الإدلاء بدلوه في هذه «البئر»، وأضاف حينما سألته «الأخبار» رأيه كـ«شيعي معارض لحزب الله»، أنه لا يتعرّف على نفسه تحت هذا العنوان!
لقمان سليم لم يعد شيعياً معارضاً، لهذا لجأنا إلى رياض الأسعد، صاحب التجربة الطويلة في مواجهة «محدلة» الثنائيّة الشيعيّة في الجنوب. في بيته المطلّ على فيلّا وليد جنبلاط في كليمنصو، ومن الطبقة السابعة، يبدو الرجل المعجب بـ«اعتدال» جنبلاط و«وسطيته» متفائلاً في ما خص الانتخابات المقبلة، وخصوصاً إذا رسا القانون الانتخابي على نسبة من النسبية. وهو إذ يعترف بأن الثلاثين في المئة ليست نسبة مشجعة لخوض الانتخابات، إلا أنها قد تؤمن وصول عدد من المرشحين المعارضين لحزب الله وأمل، إذا ما اتفقوا على إطار سياسي موحد يخوضون به الانتخابات.
و«الإطار» الذي يقصده الأسعد، لا يضمّ، كما يلمّح، شخصيات من قوى 14 آذار، أو شخصيات مقربة من تيار المستقبل، فهو لا يرى في هذه الشخصيات حالة جادّة لمواجهة حزب الله انتخابياً، كما لا يرى فيها شخصيات مؤهّلة شعبياً، وخصوصاً أنها استفزازية في ملفات يعتقد الأسعد أنها مصيرية ويجب طمأنة حزب الله وجمهوره فيها، ألا وهي سلاحه ومستقبل المقاومة. والأسعد، الذي أنصفته وثائق «ويكيليكس» في ما خص هذه النقطة، يكرر أنه مع بقاء سلاح حزب الله بلا قيد أو شرط، ويسجل انزعاجه مما سماه «سلاح الشبّيحة»، وهو السلاح المنتشر بين أيدي الكثير من «الزعران» في مختلف المناطق، وهو الذي يهدد نزاهة الانتخابات، وليس السلاح الاستراتيجي لحزب الله.
يفضل الأسعد أن يكون الحزب الشيوعي في «الإطار» الذي يتحدث عنه، ويقول إن هناك تواصلاً منذ فترة مع قيادات في الشيوعي، لكنه مع ذلك لا يبدو مطمئناً بالكامل إلى كل شيء. ومردّ عدم اطمئنانه يعود إلى احتمال أن يعمل حزب الله على خط هذا «الإطار»، ومن يدري، قد يأخذ مرشحين من الحزب الشيوعي على لوائحه، وينجح بذلك بشقّ صف هذا الإطار قبل تأطّره.
أنور ياسين، الشيوعي العتيق، والأسير المحرر، الذي خاض الانتخابات في عام 2005 ضد حزب الله وأمل، ونال 12.5 في المئة من الأصوات، يفضل بالطبع النسبية، التي ترفع من حظوظه للوصول إلى المجلس، وتكسر «الهيمنة» التي تركن دائماً إلى أسلوب يعتمده حزب الله، كما يعتمده تيار المستقبل، يستند إلى تخوين وشيطنة المرشحين المنافسين.
هذه الأساليب لا تعود تجدي نفعاً مع نظام نسبي للانتخابات، لكن ليس بنسبة ثلاثين في المئة. هذه النسبة قد لا تشكّل فارقاً كبيراً في مناطق نفوذ حزب الله، وذلك على الأرجح ليس من اهتمامات سعد الحريري الجدّية، فهو حينما سأله مارسيل غانم عن سبب رفضه للنسبية في ظل السلاح، أجاب بأن السلاح يمنع الشخصيات الشيعية المعارضة لحزب الله من الوصول إلى المجلس، ولم يتذكر حينما غاص في ذاكرته بحثاً عنهم، إلا اسمي باسم السبع وأحمد الأسعد. والأخير، كما يؤكد شيعة مقربون من الحريري، انفضّ عنه مناصروه الذين لا يتجاوز عددهم العشرات، وجذبهم «مغناطيس» محمد علي مقلّد، الذي إن ترشح بدعم من الأسعديين السابقين والشيوعيين السابقين لسجل حوالى ثلاثمئة صوت في الحد الأقصى.
هذه حسابات الانتخابات في الجنوب. في البقاع المسائل مختلفة. مع قانون «كامل النسبية» (على وزن كامل الدسم)، يبدأ حزب الله بالشعور بالقلق، وخصوصاً أن البقاع في ما خصّ الخدمات يعاني الأمرّين من تقصير نوابه وعدم قدرتهم ـــ على عكس نواب الجنوب ـــ على إشباع حاجات المنطقة ونواقصها. وهنا يدخل الجنوب، في معركة البقاع، كمعيار، يعيّر به حزب الله وأمل، فالبقاع يدفع ثمن الحرمان، والجنوب يقطف ثمار الخدمات والوظائف. كما أن حضور 14 آذار أقوى في البقاع، والقدرة على مقارعة حزب الله أعلى، وتأثير العشائر كبير.

السابق
الرؤوس أم الكراسي؟
التالي
باتت ولاية المجلس قَيد التمديد