مكـافحـة الإرهـاب بالإرهـاب

ما كانت الفكرة لتخطر على بال أحد إلا أن يكون ضالعاً في الإرهاب. فالفكرة إرهابية وصاحبها يمارس الإرهاب من سنوات طويلة والتنفيذ يتطلب عناصر إرهابية والهدف نصرة الإرهابيين.

عن اي فكرة نتحدث؟ ومن هو الضالع في الإرهاب الذي اطلق الفكرة وتركها لتنفذ في وسط إرهابي، وماذا كان الهدف؟

الفكرة التي نتحدث عنها طرأت لعقول مجموعة حاكمة في إحدى الدول العربية التي لا يمكن ان تخطر لذهن بشري لأنها ترتبط – نعني هذه الدولة – اكثر ما ترتبط بمكافحة الإرهاب. لكننا نعيش في عصر اصبحت فيه الاستعانة بالإرهابيين لتنفيذ خطط إقليمية ودولية جزءاً من سياسة الولايات المتحدة – على الأقل – في المنطقة العربية. ولن نذهب بعيداً، فالدولة التي نشير إليها عربية وإسلامية من الطراز الاول. اما الفكرة العبقرية في منحاها الإرهابي فهي تجميع كل المحكومين بالإعدام في تلك الدولة – ويقال إن عددهم يتراوح بين ثلاثة آلاف وثلاثة آلاف وخمسمئة – وإرسالهم الى بلد «شقيق» ليقاتلوا الى جانب عدد كبير من التنظيمات الإرهابية التي تستهدف نظاماً عربياً حاكماً. وقد أبلغوا بأنهم إذا استطاعوا ان يحافظوا على حياتهم فقد كسبوا العفو بإرادة سماوية، اما اذا قتلوا في معارك ذلك البلد فإنهم محكومون بالإعدام على أي الأحوال وبالتالي فلا بأس، او بالأحرى هذا هو المصير المحتوم لمن يقدر له الموت في تلك المعركة.

الدولة العربية الإسلامية من الطراز الأول هي المملكة السعودية. والبلد الذي ارسلت اليها المحكومين بالإعدام في سجونها والتي تدور فيها حرب بين التنظيمات الإرهابية والنظام الحاكم هو سوريا «الشقيقة». والفكرة أصبحت واضحة ولكنها تنم عن تفكير إرهابي لا يخطر لعقل إلا أن يكون إرهابياً بالدرجة الأولى. مصدر الخبر «الوكالة الأشورية الدولية للأنباء». اذاعته في 20 كانون الثاني الماضي. كان لا بد من الانتظار للتأكد من هذا النبأ. اعترفت المملكة السعودية – في السادس من شهر شباط الحالي بأنها تساعد تنظيمات المعارضة في حربها ضد النظام الحاكم في سوريا. جاء هذا الاعتراف على لسان السيد فهد بن عبد المحسن الزايد، سفير المملكة السعودية لدى الاردن – في مقابلة مع صحيفة «الحياة» المملوكة للسعودية، حيث قال إن جماعات من السعوديين تقيم في سوريا وتدعم وتتعاون مع جماعات مسلحة في سوريا. وأضاف انه منذ بداية الازمة السورية دخل الى الاراضي السورية عدد ضخم من السعوديين. واعترف السفير السعودي لدى الاردن بأن أعداداً من السعوديين قد وقعوا اسرى في ايدي قوات النظام الحاكم في سوريا وان الجهات الديبلوماسية السعودية في الاردن ولبنان تحاول إطلاق سراحهم.

وبطبيعة الحال كان لا بد من انتظار لفترة اطول، لاعتراف اكثر تفصيلا من المسؤولين السعوديين بإرسال المحكومين بالاعدام من سجون المملكة الى سوريا للاشتراك في القتال الدائر ضد النظام. ولكن اعترافاً من هذا النوع لم يصدر حتى الآن من المملكة. كل ما حدث ان عدداً من المؤسسات الاخبارية في الغرب نقل النبأ عن الوكالة الأشورية، الأمر الذي يعتبر تدعيماً لمصداقيته. غير ان من الجدير بالذكر هنا ان الوكالة الأشورية للأنباء كانت قد عززت النبأ بنشر نص مذكرة رسمية سعودية بتاريخ 17 نيسان/أبريل 2012 تفيد ان السلطات السعودية تفاوضت مع 1239 سجيناً محكومين بالإعدام بشأن إصدار عفو تام عنهم وتزويدهم بمرتب شهري لعائلاتهم، وأن يتم تدريبهم بالمقابل على القتال ليرسلوا بعد ذلك الى سوريا.

الوثيقة المذكورة هي مذكرة بتوقيع السيد عبد الله بن علي الرميزان، مدير المتابعة في وزارة الداخلية السعودية.

وتفيد الوكالة المصدر أن إولئك المحكومين بالإعدام في السعودية ينتمون الى جنسيات مختلفة. فيهم مصريون وفلسطينيون وعراقيون وكويتيون وسوريون وأردنيون وسودانيون ويمنيون، وفيهم ايضاً سعوديون. وقد أفادت الوكالة نفسها انها استقت التأكيد بصحة هذا النبأ وتفصيلاته من عضو سابق في البرلمان العراقي اشترط عليها ان لا تذكر هويته. وقد أفاد المصدر نفسه ان المحكومين بالإعدام العراقيين لم يلبثوا ان عادوا الى العراق من سوريا واعترفوا بانهم كانوا قد وافقوا على «الصفقة» مع السلطات السعودية، وبعد عودتهم التمسوا من الحكومة العراقية ان تطلب من المملكة السعودية ان تطلق سراح اسرهم التي احتجزتها السلطات السعودية كرهائن (…)

وقد ذكر عضو البرلمان العراقي نفسه ان مسؤولين في روسيا هددوا بإثارة الموضوع في الأمم المتحدة اذا استمرت السعودية في العمل ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وقالت الوكالة الأشورية إن السعودية وافقت على وقف نشاطاتها السرية ضد النظام الحاكم في سوريا وأن تسعى لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، مشترطة لذلك ان لا يذاع مضمون المذكرة السعودية.

تحمل المذكرة السعودية الرقم 71466/ج/هاء وتاريخ 25/5/1433 هجرية ـ 17 نيسان/ابريل2012 ميلادية.

اذا كان قد بقي ما يمكن بعد هذا أن يثير الدهشة فهو حقيقة ان المملكة السعودية استضافت في يومي 16 و17 شباط الحالي مؤتمراً دولياً لمكافحة الإرهاب بالمشاركة مع الامم المتحدة لبحث سبل محاربة الإرهاب. وقد تحدث في المؤتمر في يومه الاول الامير تركي بن محمد آل سعود عن وزارة الخارجية السعودية، وأعلن «ان التهديد الإرهابي لا يزال قائماً»، وحث المجتمع الدولي على «التعاون معاً من اجل القضاء عليه… إن علينا ان نواجهه بكل الوسائل وعلى كل المستويات الإقليمية والدولية. إن الإرهاب يهددنا جميعاً بلا استثناء». ودعا الامير الى عمل دولي شامل «لإزالة الخطط الإرهابية عن طريق التنسيق بين المراكز المتخصصة والنضال ضد الإرهاب».

بطبيعة الحال فإن الامير السعودي لم يترك المناسبة تمضي من دون ان يؤكد ان المملكة السعودية تتعرض لتهديدات إرهابية وأنها عازمة على القيام بدورها في مقاومة الإرهاب الذي ازداد نشاطه العالمي والتعاون مع دول العالم المختلفة من اجل القضاء على خطر الارهاب وتهديداته. وأشار في هذا الصدد الى ان المملكة السعودية تستضيف في عاصمتها الرياض المركز الدولي لمكافحة الارهاب منذ تأسيسه في العام 2005. وقد حظي هذا المركز بدعم الجمعية العامة للامم المتحدة في العام 2011 بعد ان تعهدت السعودية بتمويل مركز مكافحة الارهاب الدولي بميزانية قدرها عشرة ملايين دولار سنوياً لمدة ثلاث سنوات. وجدير بالذكر ايضاً ان المؤتمر الدولي لمكافحة الارهاب استضاف 28 مركزاً لمكافحة الارهاب منتشرة في انحاء العالم. ولا بد من الإشارة هنا الى ان احد هذه المراكز الدولية ضد الارهاب يتخذ موطناً له في اسرائيل.

ولعل احد الأسباب الكامنة وراء التقارب الذي لوحظ مؤخراً بين المملكة واسرائيل يرجع الى رغبة السعودية في تنسيق نشاطاتها لمكافحة الارهاب مع اسرائيل، التي تدرك المملكة مدى اتساع نشاطها المخابراتي في منطقة الشرق الاوسط، أي المنطقة العربية اساساً. وفي هذا الصدد فإن الصحافة السعودية – المملوكة في اغلب مؤسساتها لأمراء سعوديين – صارت تسير في اتجاه اكثر مصالحة تجاه إسرائيل وأكثر دفاعاً عن فكرة «أن اسرائيل ليست هي العدو» بالنسبة للعرب. وهي فكرة نقلتها الصحافة السعودية شبه الرسمية مؤخراً عن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو (صحيفة آراب نيوز السعودية التي تصدر باللغة الانكليزية). وقد ذهبت الصحيفة هذه الى حد القول إن «اسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة الاميركية ليستا مسؤولتين عن محنة العالم العربي الراهنة، وإنما العرب انفسهم هم المسؤولون، وعلى وجه التحديد قادتهم». وأضافت الصحيفة السعودية الى ذلك «ان العالم العربي قد انفق مئات المليارات من الدولارات وفقد عشرات الآلاف من الارواح البريئة في محاربة اسرائيل، التي اعتبروها عدوهم اللدود. ان للعالم العربي اعداء كثيرين، وكان ينبغي ان تكون اسرائيل في قاع هذه القائمة … ان اسرائيل تملك اليوم اكثر مؤسسات البحث تقدماً وأفضل الجامعات وأكثر البنى التحتية تقدماً. ولا يعرف كثيرون من العرب ان فرص الحياة الطويلة للفلسطينيين الذين يعيشون في اسرائيل هي اطول كثيراً منها في كثير من الدول العربية. بل ان الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية وغزة يتمتعون بقدر اكبر من الحقوق السياسية والاجتماعية من بعض الاماكن في العالم العربي».

بل ان الصحيفة السعودية نفسها كتبت في عمود آخر تتساءل ماذا كان يمكن ان يحدث لو ان البلدان العربية بدلاً من ان تهاجم الدولة الصهيونة اعترفت بها في العام 1948؟ «إذن لكانت النتيجة افضل كثيراً لكل الأطراف المعنية، وخاصة العرب… ولاستطاع الفلسطينيون ان يتحرروا من الوعود الجوفاء من الطغاة العرب ولتحررت كل الأراضي العربية …».

لقد التقطت احدى اكبر المنظمات الصهيونية الاميركية – «معهد الامن القومي اليهودي» الذي يعرف اختصاراً باسم «جينسا»- ما تكتبه الصحافة السعودية في الفترة الأخيرة من مديح لإسرائيل لتعتبره» اكثر اهمية من كل المصافحات التي يؤديها الزعماء العرب في البيت الابيض الاميركي. إنها توفر منصة للصحافيين العرب وللشخصيات العامة العربية لكي تتحدى الروايات الشرق اوسطية عن اسرائيل باعتبارها جذر الشر». وينقل هذا المعهد سؤالاً «من الذي يعتقد ان إرهاب «حماس» هو المسؤول»؟ عن احدى الصحف السعودية وينقل الإجابة عن الصحيفة نفسها: «إسرائيل ليست ملومة انما «حماس» هي المسؤولة عن القتلى الفلسطينيين اثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية والقتال الذي جرى أخيراً في غزة».

لقد حلت إيران في موقع عداء السعودية لهذا الموقع الذي كانت تحتله اسرائيل. والتنسيق مع الولايات المتحدة كفيل بأن يجعل التنسيق الاميركي – السعودي – الاسرائيلي يبدو اكثر واقعية وأكثر فعالية في المنطقة والعالم.

حتى وقت قريب لم يكن من الممكن الحديث عن «ارهاب سعودي». الآن صار ذلك أمراً ممكناً بل واقعياً.

السابق
الأمم المتحدة: مهمة الإبراهيمي مُددت حتى نهاية العام
التالي
لا عذر للقتلة