قبل أن يصبح المسيحيّون إشاعة!

"يسوع يتألّم لرؤية التباعد بين أطراف المجتمع المسيحي. علينا أن نصلّي لنكون واحداً. فهذه الوحدة شرط كي يؤمن العالم"، قال البطريرك يوحنا العاشر اليازجي في كلمة تنصيبه.
أما البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي فقد خاطب بطريرك الارثوذكس في انطاكية وسائر المشرق قائلا: "جئنا اليوم لنؤكّد ونشدّد أواصر الوحدة والمحبة والمودّة والشرك في ما بيننا، وجئنا أيضاً (…) لكي نعلن مع كل كنائسنا في هذه المنطقة من العالم وفي سوريا، وجذورنا كلنا عميقة فيها، جئنا لنقول: نحن نحمل معاً انجيل السلام، انجيل الاخوة والمصالحة وكرامة الانسان وقيمته".
كما لو أن المسيحيين المشرقيين، على تباعدهم التاريخي وتنابذهم المسرف، اكتشفوا أخيراً أنفسهم. واكتشفوا أن اختلافهم وافتراقهم كانا سبباً رئيسياً في تسهيل مهمة مَنْ أراد لهم أن ينقسموا ويتفرّقوا أيدي سبأ، بحيث بات من السهل استفرادهم وتبديدهم تباعاً. زرافات ووحدانا.
بل كأنهم، وهم وقوفٌ في كنيسة الصليب المقدّس، أدركوا هوْل ما فعلت أيديهم، وما فعلوا بأنفسهم، إن لم يكن قد تساءلوا جميعهم أين كانوا وكانت المسيحيّة ورسالتها، وأين أصبحوا وأصبحت الرسالة.
فهيهات أن تتاح لهم فرصة ولو عابرة لإصلاح ما أفسدوه هم لا الدهر، وعلى امتداد عقود وعصور.
لكن المشهد الجامع يستحضر الغبطة والتشجيع من عموم المسيحيين الباحثين عن الاستقرار والانفتاح على الآخر بتفهّم وتعاون. ولو كان البعض يجده مجرّد مشهد اقتضته مناسبة التنصيب، ليس إلا…
إذاً، على رؤساء الطوائف المسيحية وأصحاب الرأي والمسؤولين كذلك، أن يجاهدوا ما استطاعوا لتطوير هذه "الفرصة"، وتحويلها قضية وطنيّة بعيدة من كل تطرّف.
أجل. لا يزال في إمكان الطوائف والفرق المسيحيّة، حتى في هذه المرحلة "الاخوانيّة" التي يحتضر فيها وهم "الربيع العربي" الذي كان قد تبدّى لدى شروقه كشمس خلاص، كنور يضيء القلوب والعقول معاً، من استدراك الواقع المأسوي والتراجيدي الذي يتخبّط فيه مسيحيّو الشرق.
وليس من الضروري الاستدلال بما أصاب مسيحيي العراق، وبما حلّ بمسيحيي القدس وفلسطين بصورة عامة، وما يتعرّض له مسيحيّو إيران، وما يلاقيه مسيحيّو مصر، وما يحصده المسيحيون المبعثرون في فيافي وحنوات العالم العربي.
فإذا كان ما سمعناه في كنيسة الصليب المقدس يعكس إرادة صادقة، فخير البرّ عاجله، وما يفتقر إليه ثوب وحدة المسيحيين المهلهل، هو القرار المدعوم بالنية والارادة والتصميم والثبات.
فهاتوا ما عندكم… قبل أن يصبح المسيحيّون أثراً بعد عين، أو مجرد "إشاعة".

السابق
مـن يـسعـى لتـأجيـل الانتخـابـات؟
التالي
ما لزيارة الراعي وما عليها