الفلسطيني في سوريا بين فكي كماشة

عندما يسقط أحد الصواريخ من جبل قاسيون على شارع لوبية، أو تصيب المدفعية الميدانية من العيار الثقيل، مدرسة المالكية القريبة من جامع عبد القادر الحسيني، لا يحتاج الرئيس أبو مازن من يدله على خريطة مخيم اليرموك، بل يستطيع أن يشرح لمن حوله، أين تجري هذه المأساة الفلسطينية في سياق المأساة السورية الكبرى.

وفي شريط مصور منشور على الشبكة العنكبوتية، يقرأ أحد الملثمين بالكوفية، بياناً يعلن فيه، تشكيل “لواء فلسطين الموحد” من خمسة كتائب معروفة بأسماء مثل كتيبة “مغاوير فلسطين”، وكتيبة “شهداء مخيم اليرموك”، وكتيبة “الشيخ أحمد ياسين”، كما أن ثمة كتائب أخرى لها تشكيلاتها، منها كتيبة “الشهيد ياسر عرفات” مثلاً. هذه التشكيلات العسكرية تنتشر في معظم المخيمات الفلسطينية في سوريا، حيث تشهد مخيمات “السبينة”، و”الست زينب” و”خان دنون” و”خان الشيح” حركة تسليح متعاظمة، بعد أن تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين الألف شهيداً وعدد المعتقلين والمفقودين أكثر من ثلاثة آلاف حتى الآن. الأمر ذاته يحصل في مخيم النيرب، المتاخم لمطار النيرب العسكري جنوب شرق حلب.

هؤلاء المقاتلين بأغلبيتهم من المستقلين، ومن جنود جيش التحرير الفلسطيني “الخدمة الإلزامية”، وبعض الكوادر المنشقة عن تنظيماتها، أو المنسحبة انسحاباً فردياً.
بالمحصلة لم تعد أُمرة هؤلاء المقاتلين، خاضعة للقيادة الفلسطينية المحلية أو المركزية، لا بل إن جزء منهم أعلن التنسيق الكامل مع قوى المعارضة ومع الجيش السوري الحر.

إذاً القيادة الفلسطينية اليوم أمام حالة جديدة تماماً، لأنها لا تستطيع إنفاذ سياستها القائمة على النأي بالنفس، وعدم التدخل في الصراع الدائر، كما لا تستطيع انتظار تطور الأحداث المنذر بعواقب غير حميدة تصيب، الكتلة البشرية الفلسطينية، في حال شهدت المخيمات الأخرى مصير مخيم درعا، أو مخيم اليرموك، ما لم تقطع الطريق على التدهور المحتمل لأوضاع تلك المخيمات.

إن الاحتمالات السيئة ما زالت هي الأساس حتى اللحظة، طالما استمرت أزمة الصراع في سوريا من غير معالجة سياسية، ومتروكة لمنطق الحسم العسكري.
فالوضع الدولي والإقليمي، لا يبشر بإمكانية حل سياسي قريب، كما إن الحالة الميدانية للصراع ليست على أبواب حسم عسكري أيضاً.

لذا فإن السياسة الرسمية الفلسطينية اليوم بين فكي كماشة، حيث لا يمكن التخلي عن أطروحتها الصحيحة من حيث المبدأ، كما لا يمكن التعامل الميداني معها بالوتيرة السابقة، أي تكرار الموقف إياه ودعوة الأطراف الأخرى للاستجابة. فهذا لن يدرأ المخاطر المحدقة، ولن يساعد اللاجئين على النجاة من الضريبة الباهظة، لأن الحالة الميدانية تجاوزت السياسات المعتمدة، وعليه لا بد من مراجعة الموقف، ومحاولة تطوير الأداء الفلسطيني نحو إنتاج موقف إقليمي ودولي، من أجل الضغط لتفادي الكارثة، قبل أن تأكل آليات التدمير المنهجي والشامل، ما تبقى من مخيمات، إسوةً بما يحصل للأحياء الشعبية السورية المحيطة بها.

ومن المؤلم والمحبط أن تنتهي ورشة العمل القيادية المستمرة منذ يوم الجمعة الماضي في القاهرة، من دون دخان أبيض يحمل بشارة المصالحة، ومن دون كلمة واحدة موجهة للفلسطينيين في سوريا، خاصةً وإن عدد من القياديين من “المنظمة” و”التحالف” وصلوا القاهرة من دمشق، وهم يعرفون أدق التفاصيل عما يجري هناك، كما يعرفون ما تحمله الأيام القادمة من مخاطر.

إن أهمية قضايا النقاش في القاهرة، لا تعفي القيادة مجتمعة من إعلان خاص حول الوضع الفلسطيني في سوريا، والإشارة لما يتطلبه من فعل، لتجنيب اللاجئين هناك الآثار المرعبة للحالة المتفجرة. فالمطلوب جهداً وقائياً يسبق الجهد الإغاثي، الذي يحتاجه الفلسطينيون في سوريا وفي لبنان حيث يعيش النازحين في مخيماته شروطاً مذلة وقاسية.

إن جهد المسؤولين المحليين لفصائل منظمة التحرير في سوريا، غير كافٍ وغير قادر على المعالجة المباشرة ولا بد من جهد مركزي، على مستويين، إقليمي ودولي، يلحظ الدور الروسي والصيني، من أجل إنتاج وضع سياسي يساعد على إنفاذ سياسة النأي بالنفس، وعدم التدخل، لذلك يمكن الدعوة لمؤتمر دولي أو إقليمي خاص. فالمسألة تستحق مثل هذا التحرك، وهذا لا يتعارض مع مصلحة الشعب السوري، طالما أن الغاية هي تخفيف الخسائر والدمار، وتجنب المزيد من المآسي. خاصةً وأن الشهر القادم سيشهد أول زيارة للرئيس الأميركي باراك أوباما لفلسطين التاريخية، حيث سيزور تل أبيب ورام الله، فمن المنطقي أن تضيف القيادة الفلسطينية، ملف الوضع الفلسطيني في سوريا إلى جملة الملفات الأساسية الواجبة النقاش والتفاوض حولها.

إن زيارة أوباما الأولى لدولة فلسطين المحتلة تلزمه بتنفيذ ما قاله ووعد به أثناء زيارته لتركيا وللقاهرة في بداية ولايته الأولى. إذ لا مبرر الآن وبعد معركة عض الأصابع مع نتنياهو، أن تحجم الإدارة الجديدة، عن بلورة السبل الواجب اتباعها لتنفيذ خيار الدولتين، فهذه الزيارة هي المحطة الأخيرة التي يمكن سماع منها صافرة الحل، وإلا فإن نتنياهو سينتصر على أوباما مرة أخرى، وفي ولايته الثانية. وهذا ما يسعى له نتنياهو وبدأ العمل مع فريقه لخفض سقف التوقعات، وإعادة ترتيب الأجندة السياسية كما يريدها أن تكون.

إن تشابك مهام الفلسطينيين وتعقيدها يتطلب ورشة عمل كبيرة في الوطن والشتات، وما نحن فيه الآن ليس غريباً على الحالة الفلسطينية.

إن الرئيس أبو مازن مدعوّ لقول كلام صريح يسمعه أوباما ويتضمن مأساة الفلسطينيين في سوريا.

السابق
غانم: اذا صفت النيات سنتوصل الى صيغة توافقية قبل نهاية الاسبوع
التالي
سورية… رائحة تسوية أميركية