ميقاتي لحزب الله: لن أسمح بوضع لبنان بمواجهة المجتمع الدولي

 

قد يكون الاتهام البلغاري لـ «حزب الله» بالضلوع في تفجير حافلة الركاب الإسرائيليين في الصيف الماضي في مطار بورغاس، من الملفات التي تُشكّل راهناً التحدي الأقل ثقلاً على الحكومة اللبنانية في غمرة التحديات الداخلية التي تواجهها، وفي مقدمها ملف حادثة عرسال الذي  تحوّل مأزقاً سياسياً بامتياز، مع انسداد أفق الحلول التي تؤول من جهة إلى الحفاظ على هيبة المؤسسة العسكرية، رغم الثغرات التي وقع فيها جهازها الاستخباراتي في تنفيذ عمليته الأمنية، والتي جاءت حصيلتها مُكلفة على الجيش ومعنوياته، ولا تؤدي من جهة ثانية إلى رمي المسؤولية كلياً على أهالي عرسال  من دون التوقف عند ملابسات الحادثة، وتحميلهم تالياً تداعيات ما حصل، وما قد ينتج عنها من ارتفاع وتيرة الاحتقان في البلاد، ولا سيما أنها ليست الحادثة الأولى التي تقع بين الجيش اللبناني ومناطق ذات غالبية سنية، في وقت يسود اقتناع لدى فريق سياسي وشعبي واسع في البلاد أن «حزب الله» لا يضع يده على المؤسسات السياسية فقط ، بل على المؤسسات العسكرية والأمنية أيضاً، وأن الجهاز الأمني الوحيد الذي لا يزال خارج سيطرته يتمثل في شعبة المعلومات التي اغتيل رئيسها العقيد وسام الحسن. 
فالاتهام البلغاري لم يكن مفاجئاً، إذ سبق أن تمّ تسريب معلومات عن احتمال تورّط «حزب الله» بالتفجير. وكان هذا الملف حاضراً في محادثات زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى بلغاريا. وقبل صدور الاتهام رسمياً، أبلغت بلغاريا مسؤولين أوروبيين بنتائج التحقيق، وأسرّت باريس  لجهات لبنانية بقرب صدور الاتهام البلغاري ومضمونه. وحين أعلنته صوفيا رسمياً، لم يتأخر لبنان عن إصدار موقف، في صيغة بيان لرئيس الحكومة، ضمّنه  الاستعداد للتعاون مع بلغاريا لجلاء الأمر إحقاقاً للحق وصوناً للعدالة، أردفه لاحقاً بالتأكيد أنه يتكلم باسم الحكومة اللبنانية، ويُعبّر عن الموقف الرسمي اللبناني لا عن موقفه الشخصي. 
ثمة مسلمة يكررها دائماً فريق عمل رئيس الحكومة، منذ أن تولى سدة الرئاسة الثالثة، قوامها أن ميقاتي لا يمكنه من موقعه أن يسمح بوضع لبنان في مواجهة المجتمع الدولي أو الشرعية الدولية أو تعريضه لعقوبات سياسية أو اقتصادية، وهو منذ اليوم الأول كان يؤكد أنه سيفي بالتزامات لبنان في تمويل المحكمة الدولية بوصفها ترجمة لقرار دولي، ولا يمكن تالياً أن يغطي أي مواجهة أو تصادم مع الشرعية الدولية. وقد تمسك بتلك المسلمة – الثابتة حين كان مرفوضاً من المجتمع الدولي، يوم تسلّم الحكومة عقب انقلابه وجنبلاط و«حزب الله» على حكومة الرئيس سعد الحريري، ولم يحد عنها رغم النظرة الدولية إلى حكومته على أنها حكومة «حزب الله». اليوم يجد ميقاتي نفسه في موقع أفضل، بعدما ساهمت التحولات الإقليمية في تبدّل الموقف الدولي حياله، من موقف رافض له، إلى مقبول، فمرضي عنه، فمطلوب وجوده في هذه المرحلة بالذات. وهذا ما يُعطيه هامشاً أوسع من التحرّك، مستظلاً الدعم الذي يلقاه من رئيس الجمهورية والفريق «الوسطي» في الحكومة. 
ووفق التوقعات، فإن المرتقب حكومياً أن تسلك القضية المسار القضائي، بحيث تتسلم السلطات اللبنانية ملفاً من السلطات البلغارية، أو طلباً من الانتربول بحق أشخاص متهمين بالتفجير، على أن يتم التعاطي بهذا الملف وفق الإجراءات القضائية من دون استبعاد أن يطلب لبنان إشراكه في التحقيقات، أو أن تطلب بلغاريا مشاركة لبنان في إطار التعاون بين البلدين.
 ويعكس اتهام بلغاريا لأشخاص منتمين إلى الجناح العسكري لـ «حزب الله»، بما يشكل تمييزاً بين الحزب كمنظمة سياسية ممثلة بالحكومة وبين الجناح العسكري، بعضاً من الارتياح لدى الأوساط الحكومية، إذ يمكن من خلالها تفادي التداعيات التي قد تترتب عن هذا الاتهام. وفي هذا السياق، تعوّل أوساط السراي الكبير، في تفادي وقوع لبنان في المأزق، على موقف الاتحاد الأوروبي المنقسم بين تيارين: تيار يضغط في اتجاه إدراج الاتحاد الأوروبي لـ «حزب الله» على لائحة المنظمات الإرهابية  تقوده الولايات المتحدة وإسرائيل، وتيار رافض تقوده فرنسا وألمانيا، وتتعاطف معه بريطانيا الداعية دوماً إلى فصل الجناح العسكري للحزب عن الجناح السياسي، من منطلق تشجيعه على الاندماج في الحياة السياسية اللبنانية.
على أن مشهد «الارتياح»، أو على أقل تقدير «اللاارتباك الحكومي» هو مشهد مبالغ فيه، وفق حقوقيين متابعين للشؤون الدولية، ذلك أن بلغاريا ما كانت لتُعلن عن تورّط «حزب الله» بالتفجير، لولا أنها لم تصل إلى قرائن أولية وجدية في تحقيقاتها التي جرت بالتأكيد تحت رقابة دولية متعددة، ومعنية بوصف أن التفجير يندرج في خانة العمليات الإرهابية. وقد يقود التفهّم الأوروبي لخصوصية لبنان وواقعه السياسي إلى محاولة تجنيبه، كدولة، من أن تصيبه التدابير الاقتصادية والمالية بشكل مباشر، لكن ذلك لا يعني مطلقاً أن لبنان سيكون بمنأى عن ارتدادات سلبية ستشمل تدابير لتجفيف الموارد المالية لحزب الله عبر تقييد حركة الأموال وحركة الأشخاص من خلال اتخاذ قرارات تدريجية تبدأ بتجميد أرصدة مالية للحزب ولا تنتهي عند منع أعضاء منه من دخول الاتحاد الأوروبي، ذلك أن الضغوط التي تُمارس على الاتحاد الأوروبي هي ضغوط كبيرة، وليست الحسابات التي ستُحدّد القرارات ترتبط بالموقف من لبنان وتفهم وضعه بمقدار ما تتناول الموقف مما يدور في المنطقة، وما يرتبط بها من ملفات  شائكة، من الملف النووي الإيراني إلى الأزمة السورية إلى ملفات المنظمات الإرهابية والدول المارقة، وهذا ما قد يجعل  لبنان في موقع تلقّي الارتدادات للحسابات الإقليمية، والتي قد يكون من المبكر الجزم  بالمدى الذي ستصل إليه الأمور، وما إذا كانت الحكومة ستنجو منها سياسياً، لكنه من المؤكد أن سيفاً  جديداً بات مصلتاً على «حزب الله»، وما يمثله من امتداد إقليمي وارتباط عسكري مباشر بالحرس الثوري الإيراني، كأحد أوراق الضغط على إيران تستند إلى عناصر صلبة، وذريعة لدى إسرائيل لعمل أمني ضد «حزب الله» يحظى مسبقاً بغطاء دولي.
 

 

السابق
غول يؤكد استمرار التشاور الإقليمي بشأن الملف السوري
التالي
التطرف السلفي: اليوم العلمانيون وغدا الاخوان