5 إرتدادات متوقعة على حزب الله ولبنان

في ختام تحقيقات أوّلية إستمرّت أكثر من ستة أشهر، وجّهت السلطات الرسميّة البلغارية التهمة إلى "الجناح العسكري في حزب الله" بالوقوف وراء حادث التفجير الذي إستهدف باصاً سياحياً في مطار مدينة بورغاس في بلغاريا في 18 تمّوز 2012 الماضي، مشيرة إلى الإشتباه بتورّط شخصين يعيشان في لبنان حالياً بالعمليّة، أحدهما يحمل الجنسيّة الكنديّة والآخر يحمل الجنسية الأستراليّة، إضافة إلى شخص ثالث لم تتحدّد هويّته بعد. وعلى الرغم من الوقع المهم لهذا الإتهام، يمكن القول إنّ نتائج التحقيقات لم تشكّل مفاجأة، باعتبار أنّ التسريبات الإعلامية والإستخباريّة الغربيّة منذ اللحظة الأولى لوقوع العمليّة التي أوقعت ثمانية قتلى ونحو ثلاثين جريحاً، ألمحت إلى إحتمال تورّط الحزب، مدرجة إياها في إطار سلسلة ردّات الفعل التي تأخّرت على إغتيال المسؤول الأمني في حزب الله، عماد مغنّية، في منطقة كفرسوسة في ضواحي العاصمة السوريّة في 12 شباط 2008.
وبغض النظر عن رفض "حزب الله" لهذه التهم ولغيرها، وإدراجها كلّها في خانة الحملات المنظّمة عليه لتشويه صورته، فإنّ لهذا الإتهام البلغاري مجموعة من الإرتدادات المتوقّعة:
أولاً: التشدّد أكثر فأكثر قبل منح اللبنانيّين جوازات سفر إلى كل من بلغاريا وكندا وأستراليا، وهي إجراءات بدأ يلمسها طالبوا الجوازات إلى هذه الدول قبل مدّة، علماً أنّ كلاً من كندا وأستراليا كانت بدأت بمراجعة دقيقة لحاملي جوازاتها، ومنهم بطبيعة الحال الكثير من اللبنانيّين.
ثانياً: رفع مستوى الضغوط الإسرائيلية والأميركية على الدول الأوروبيّة لإدراج "حزب الله" ضمن لائحة الدول الإرهابية، بحجّة أنّه مسؤول عن عملية أوقعت قتلى وجرحى على أرض مصنّفة ضمن الإتحاد الأوروبي. إشارة إلى أنّ الإتحاد المذكور، أعلن على لسان المتحدّث بإسم الممثلة العليا له، كاثرين آشتون، أنّه سيدرس "الرد المناسب"، وأنه ينبغي سوق "الإرهابيّين" الذين خطّطوا لهجوم بورغاس ونفّذوه إلى العدالة.
ثالثاً: رفع مستوى الضغوط الدوليّة على قيادة "حزب الله"، في ضوء هذا الإتهام الجديد، والذي يأتي عشيّة حملة إعلامية كبيرة ستشنّ عليه، إعتباراً من 25 آذار المقبل، وهو الموعد المنتظر لإنطلاق المحاكمات في قضيّة إغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، الأمر الذي من شأنه أن يرفع الضغوط الدولية أكثر فأكثر على الحزب، كون التهم في هذه القضيّة موجّهة إلى أعضاء فيه أيضاً، وإن كان الحزب نفى كلّياً هذه التهم، مدرجاً إياها في خانة الفبركات والمزاعم والمؤامرات التي تحاك ضدّه.
رابعاً: من المتوقّع أن تتعرّض السلطات اللبنانيّة الرسميّة لضغوط دوليّة جديدة، لحثّها على توقيف المتهمين، للتوسّع في التحقيق. وما كلام رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي عن إستعداد لبنان "للتعاون مع الدولة البلغارية لجلاء ملابسات هذا الأمر، إحقاقاً للحق وصوناً للعدالة"، إلا خطوة إستباقيّة في هذا الإتجاه. وعلى الرغم من أنّه من المنتظر أن تكرّر الدولة اللبنانية "السيناريو" نفسه الذي إعتمدته عند طلب المحكمة الدولية منها البحث عن المتهمين في قضيّة إغتيال الحريري، فإنّ الضغوط على لبنان ستترك آثاراً سلبيّة على غير مستوى.
خامساً: سيصعّد هذا الإتهام الصراع داخل لبنان، وسيفجّر حملات إعلامية متبادلة بين الحزب وداعميه من جهة، وكل القوى المعارضة له من جهة أخرى. ومن شأن هذا الأمر أن يرفع مستوى التوتّر المأزوم أصلاً، نتيجة المشاكل الأمنيّة والمواقف المتباينة منها، والفشل في الإتفاق على قانون إنتخابي، وقرب بدء فعاليّات المحكمة الدولية بشأن لبنان، وغيرها من الأسباب الخلافيّة.
في الختام، صحيح أنّ إتهام "حزب الله" بتفجير بلغاريا الذي إستهدف بالدرجة الأولى إسرائيليّين، ليس أخطر من إتهامه بقضيّة دماء الحريري، لكن التخوّف قائم من أن تتخذ إسرائيل من الإتهام البلغاري حجّة لتنفيذ أجنّدة معدّة سلفاً ضد الحزب، كما سبق لها أن فعلت في الثمانينات، عندما إتخذت من محاولة إغتيال سفيرها في بريطانيا آنذاك، شلومو أرغوف (أصيب بجروح بالغة وبقي في المستشفى حتى وفاته)، حجّة لإجتياح لبنان في حزيران 1982، بعد إتهام جماعة فلسطينية بقيادة "أبو نضال" بتنفيذ المحاولة. وربّما في ظلّ الشرخ المذهبي والسياسي القائم في لبنان، وفي ظلّ الأزمة المفتوحة في سوريا، قد تعتبر إسرائيل أنّ الفرصة مؤاتية لتنفيذ ما فشلت في تحقيقه في العام 2006. فهل يحصل ذلك، وكيف سيردّ "حزب الله" هذه المرّة على الإتهامات الإعلامية بحقّه، وعلى أي إجراء ميداني ضدّه من أي طرف كان؟

السابق
روتانا تطالب بإعادة أموالها
التالي
استيطان إسرائيلي في عقول عربية