تمنّيات اللبنانيّين

يستعدّ اللبنانيون لوداع سنة بلا أسف، واستقبال سنة بلا يأس.

يدركون خطورة الاستحقاقات والتحدّيات وعمق الانقسامات والتداعيات المرتقبة في سنتهم الجديدة، إلّا أنّهم يأملون في أن يسعى قادتهم إلى تسوية وطنية لا غلبةَ فيها ولا استكبار ولا تعجيز أو إعجاز، وكلّما أسرعوا في إنجازها حصّنوا الأمن والاستقرار ووفّروا سبُل تجاوز الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، لأنّ استئثار أيّ فريق سياسي بالسلطة، لا يمكن إلّا أن يكون موَقّتاً، بسبب تركيبة لبنان وخصوصيته الكيانية والسياسية.

وإذا كان من حقّ كلّ فريق سياسي أن يعزّز حضوره وقوّته وحصّته، فليس من حقّ أحد أن يلغي أحداً، هذا إذا كان أصلاً قادراً على ذلك، ولو بارتباطاته الإقليمية أو الدولية، لأنّ التجارب أثبتت أنّ توازن لبنان من توازن مكوّناته.

ومن الخطأ الفادح أن يراهن أيّ من الفريقين المتنازعين على السلطة في لبنان، على مصير الأزمة السوريّة، لأنّ المنتصر في بلاد الشام أيّاً كان، لن يكون قادراً على التقاط أنفاسه وإعادة إعمار بلاده لسنوات طويلة بعد كلّ ما لحق بها من دمار هائل في الاقتصاد والبنى التحتية و"الفوقية" والممتلكات وغيرها.

وأيّاً تكن نتائج النزاع الدموي في سوريا، فإنّها لن تلغي حضور "حزب الله" ولن تقصيه وإن أثّرت في حركته وإمداداته، ليس لأنّه يملك ترسانة من الأسلحة والصواريخ بل لأنه يمثّل الشريحة الشيعية الأكبر في لبنان.

كذلك لا يستطيع أحد أن يلغي زعامة الرئيس سعد الحريري للسُنّة في لبنان، ولا مصلحةَ لمن يفكّر في ذلك بل بالعكس، لأنّ بديل الحريري إمّا ضعيف ولا يمثّل النبض السنّي وإمّا متطرّف يستحيل التفاهم معه.

ولا يجوز بعد التهجير المسيحي القسري من بعض الدول العربية، أن يستمرّ الانقسام المسيحي – المسيحي على خلفية مَن الأقوى على الأرض وفي الندوة البرلمانية، من دون التطلّع إلى مستقبل المسيحيّين في الشرق بعد "تسونامي الربيع العربي".

هذه حقائق يعرفها الجميع، والناس ملّوا خطابات طنّانة وشعارات رنّانة. يريدون أن يعيشوا مثلما تعيش كلّ الشعوب الحضارية في العالم.

رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان يسعى صادقاً لجمع المتنازعين سياسيّاً على مبادئ وقواعد وطنية، والكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يقدّم النصيحة تِلوَ النصيحة، فلماذا لا يحتكمون لهذين المرجعين اللذين لا مصلحة شخصية لهما في ما يطرحانه بل همُّهما إنقاذ البلد؟

لماذا لا يستمعون إلى قائد الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية الذين أثبتوا جدارة عالية وبرهنوا أنّهم أهلٌ للثقة ويعرفون أكثر من سواهم المخاطر على الأرض ولوازم مواجهتها؟

العالم يحسد اللبنانيّين على أسلوب عيشهم وشغفهم بالحرّية والديموقراطية والحياة الاجتماعية والسهر والتمسّك بالعادات والتقاليد، ويعجب من الحياة السياسية الصاخبة التي غالباً ما تنسحب على المثل القائل: "اشتدّي يا أزمة تنفرجي".

عسى الانفراج يكون ثمرة "النأي بالنفس" عن أزمات المنطقة في السنة الجديدة فتولد الوحدة الداخلية لاكتساب المناعة وتحقيق الإنقاذ.

السابق
أيها الإبرهيمي المتطفل استقل؟
التالي
الرئيس سليمان: من لا يريد المشاركة في الحوار يعطني البدائل