هل يمكن تسيير لبنان بمعزل عن أزمة سوريا؟

 


اذا كان ثمة بحث قاده في الاسابيع الماضية الحزب التقدمي الاشتراكي عبر جولات لوزرائه ومسؤولين في الحزب على القيادات السياسية المختلفة توصلا الى جامع مشترك يمكن البناء عليه لاعادة احياء الحياة السياسية الطبيعية، فان هناك من لفته بروز نقطة مهمة في المواقف المعلنة لاربع شخصيات او افرقاء ليس واضحا اذا كان يمكن البناء عليها ام لا حتى الان. فهناك من جهة رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يسعى منذ بعض الوقت الى تقديم دوره كرئيس للمجلس على اي دور محوري له ودعوته الافرقاء الى عدم الرهان على الازمة السورية ونتائجها في المعادلة السياسية الداخلية. وليس واضحا من يقصد بري بهذا الكلام لكن مصادر متابعة ترجح ان يكون قصد فريقي 14 و8 آذار ربما مع ارجحية التوجه الى المعارضة نظرا الى المتغيرات الكبيرة التي سيحملها تغيير النظام السوري على معادلات اساسية في المنطقة. كما انه ليس واضحا اذا كان افرقاء قوى 8 آذار اي "حزب الله" و"التيار العوني" يقبلان بذلك. والموقف نفسه عبر عنه ايضا الحزب الاشتراكي اذ اعتبر وزير الاشغال العامة والنقل غازي العريضي ان من يراهن على التطورات السورية سلبا او ايجابا هو مخطئ. ولاقاهما في هذا الموقف ايضا البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي رأى ان من المعيب في حق لبنان وشعبه ومؤسساته ان يعلق السياسيون حل القضايا الوطنية السياسية مراهنين على ما ستؤول اليه الحوادث في سوريا. ومن جهته يعتبر "تيار المستقبل" وقوى 14 آذار عموما ان اقتراح حكومة تكنوقراط حيادية تدير المرحلة وتبني على ما يتفق او يجمع عليه اللبنانيون راهنا يصب في اطار ترك الرهان على تداعيات الازمة السورية جانبا نظرا الى صعوبة معرفة نتائجها.

هذا التلاقي على هذه النقطة وان كان كل فريق يعبر عنها بطريقة مختلفة يظهر ان هذا الامر ممكن اذا توافرت الارادة الداخلية في شكل قوي ووضعت بعض الامور جانبا ولكن ايضا اذا توافرت الارادة الاقليمية. ولا يعتقد ان هذا الامر محتمل في المدى القريب اذ ان تلاقي كل من الرغبة السعودية والايرانية قبل اشهر قليلة على معاودة جلسات طاولة الحوار في بعبدا اسفر عن عودة الجميع الى الطاولة في شكل او في آخر ولكن من دون ان تؤدي الى اي نتيجة. ولا يجوز الاستهانة بهذا العامل الاساسي نظرا الى شمول لبنان بالامتدادات السياسية لما يجري في سوريا والمخاوف من ان يكون لبنان ساحة بديلة او مكملة لما يجري هناك كانت ولا تزال هاجسا منذ اندلاع الازمة في سوريا. ويقول البعض ان الموضوعية تقضي بالاقرار ان لبنان حتى لو اراد فصل نفسه عما يجري في سوريا فان الامور ليست ابيض او اسود، وان عدم اجراء الحسابات بناء على ما يجري لا يمكن اعتباره سياسة بعيدة النظر او هي في حد ادنى محاولة من البعض لقطف ثمار سياسية مبكرة من دون اسقاط الخلفية التي يستند اليها في رهانه. ولذلك يغلب الانطباع لدى جميع المسؤولين على اختلاف مواقعهم بان لا شيء مهما متوقعا في الموضوع الداخلي باستثناء الهم الامني حيال ما يمكن ان يطرأ من دون انذار، والمرتبط في شكل او في آخر بتداعيات ما يجري في سوريا. فالجمود والترقب هما سيدا الساحة السياسية على رغم ضجيج المواقف المتناقضة والمتضاربة حول الحكومة او قانون الانتخاب او حتى حول الانتخابات في حد ذاتها.
وليس خافيا ان احدا من المراجع المسؤولة لا يعطي جوابا جازما حتى على اجراء الانتخابات في موعدها انما يؤكد على وجوب اجرائها في موعدها مع الاصرار ولكن من دون حسم الامر ايجابا على انه الجواب النهائي الذي لا عودة عنه. كما ان احدا لا يعطي جوابا عما يمكن ان تنتهي اليه الامور في لبنان متى حسم الوضع في سوريا نحو التغيير. فما دام سيناريو التغيير وآليته غير واضحين تصعب معرفة النتائج المرتقبة. فهناك الكثير من التكهنات والتحليلات والتوقعات، وواقع الامور ان لكل سيناريو من سيناريوات الختام في سوريا اي تغير النظام ما يقابله من حيث النتائج، باعتبار ان السيناريوات ليست كلها متماثلة وكذلك نتائجها او تداعياتها على لبنان. فاذا بقي الرئيس السوري رئيسا او زعيما لمجموعة وفق ما يطرح من سيناريوات فان انعكاسات هذا الامر لن تكون سهلة على لبنان. واذا رحل عن سوريا وانتقل البلد الى نظام مختلف فمن غير المستبعد ان يرتاح لبنان نسبيا لجهة امكان استعادة استقلالية قراره نظرا الى تغير اعتبارات كثيرة في المنطقة مع رحيله. وكذلك الامر بالنسبة الى سائر الاحتمالات الاخرى. لكن الثابت والاكيد ان احدا لا يملك ادنى فكرة عما يمكن ان يكون عليه الوضع بعد ستة اشهر مثلا اي تزامنا مع موعد اجراء الانتخابات النيابية. ولذلك يخشى سياسيون كثر ان يكون ما يجري عملية تقطيع للوقت بالحد الممكن من الحياة السياسية الكلامية لا اكثر ولا اقل مع بعض الافادة القصوى لافرقاء في الحكومة.
 

 

 

السابق
اجتماع سري في طهران بين المعارضة وممثلين عن نظام الأسد
التالي
لا لبنان من دون تدخل خارجي؟