لا معطيات حول متغيرات في الخارطة السياسية

لا شك أن مبادرة رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط التي أطلقت على خلفية توجس صاحبها خيفة من وقوع فتنة داخلية نتيجة إرتفاع منسوب الإحتقان والتشنج الناجم عن الانقسام السياسي الحاد حول الكثير من الملفات الداخلية والتشظي بما هو حاصل من تطورات في المنطقة، قد كسر الجمود السياسي المتأتي من شبه الطلاق الحاصل بين 8 و14 آذار، غير أن مفاعيل هذه المبادرة تبقى محدودة، وأن الأمل في نجاحها شبه مستحيل، كون أن كل فريق سياسي قرأ ما تضمنته من بنود على هواه، وهو ما أدى الى الحؤول دون بروز أي معطيات تفيد بأنه من الممكن لهذه المبادرة «الإنقاذية» أن تصل بسهولة الى الهدف المرجو المتمثل بالعودة الى طاولة الحوار، أو أن تحفر عميقاً في جدار الأزمة بما يؤدي إلى إزالة مسببات الإنقسام الحاصل أو على الأقل فرملة اندفاعه واتساع شعاعه.

وإذا كانت المبادرة الجنبلاطية قد نجحت في تعبئة الوقت الضائع، فإنه من غير المأمول لها أن تفضي إلى أية نتائج، خصوصاً وأن صاحب المبادرة نفسه يدرك كامل الإدراك أن ما هو حاصل على الساحة الداخلية أكبر من أن يعالج عن طريق مثل هذه المبادرة، وأن تشعبات الأزمة الموجودة على المستويين المحلي والإقليمي تحتاج الى صدمات سياسية بقيت غائبة عن مضمون المبادرة، غير أن ذلك لا يعني أن النائب جنبلاط قدّم مبادرته على قاعدة اللهم إني بلّغت بل إنه كان صادقاً في دق ناقوس الخطر الذي يراه قريباً نتيجة قراءاته للمشهد الداخلي والإقليمي في الظرف الراهن.

وفي رأي مصادر سياسية متابعة أن جولة ممثلي النائب جنبلاط على القوى السياسية ولا سيما «حزب الله» بالأمس وعلى العماد ميشال عون اليوم وإن تحت عنوان البحث في أسس المبادرة، فإنها بلا شك فتحت قنوات للأخذ والعطى، وهذا بحد ذاته يحرك المياه السياسية الراكدة باتجاه تبادل الأفكار والطروحات حول القضايا الخلافية بدلاً من إبقاء الأبواب مؤصدة بما يؤدي إلى مزيد من الانشطار السياسي الذي يدخل البلد في حلقة مفرغة ويضع الملفات الداخلية على رف الانتظار.

وتستبعد المصادر حصول متغيّرات على الخارطة السياسية في ظل ما يحكى عن وسطية وما إلى ذلك، حيث أن المناخات والمعطيات الموجودة تؤكد أن لا تبدلات في المشهد السياسي الداخلي، وأن تمايز البعض في مواقفهم لا يعني على الإطلاق وجود توجه لدى أي فريق نحو الانتقال من ضفة إلى ضفة أو الإمساك بالعصا السياسية من النصف.

وفي تقدير المصادر أن أحداً لن يجرؤ على الإقدام على أية خطوة سياسية تتجاوز الوضع الحالي، وأن مختلف الأفرقاء على الساحة الداخلية هم في حالة انتظار لما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة وتحديداً في سوريا لكي يبنوا على الشيء مقتضاه، وهو ما يعني أن البلد في حالة انتظار وترقب إلى حين إنقشاع الرؤية واتضاح الصورة أكثر في المنطقة.

إنطلاقاً مما تقدّم فإن المصادر ترى أن موضوع الانتخابات الذي دخل لبنان مداره من باب خلافي واسع حول القانون الذي سيحكم هذه الانتخابات، سيكون مع قابل الأيام الخبز اليومي لدى مختلف الشرائح اللبنانية، خصوصاً وأن البعض يرى في هذا الاستحقاق السلاح الذي يمكن أن يقارع فيه خصمه السياسي من جهة، ومن جهة ثانية رسم معالم المرحلة السياسية المقبلة للبنان.

ولا تعطي المصادر حظوظاً كبيرة لإمكانية ولادة قانون جديد للانتخابات في ظل غياب التفاهم السياسي لا بل انعدامه حول هذا الاستحقاق، وهي ترى أن الساحة الداخلية ستصل إلى مرحلة تجد نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما: فإما تأجيل الانتخابات وبالتالي التمديد للمجلس الحالي، وإما حصول هذه الانتخابات على أساس قانون الستين.

وتلفت المصادر النظر إلى أن ما قاله البطريرك الراعي لدى عودته من روما حول هذه المسألة كان واضحاً وضوح الشمس، وهو أشار بوضوح إلى إمكانية الوصول إلى اعتماد قاعدة آخر الدواء الكيّ، بمعنى أن عدم الوصول إلى تفاهم على قانون جديد سيؤدي إلى الذهاب باتجاه القانون الحالي في حال كان هناك إجماع على احترام المواعيد الدستورية، وهذا الموقف لسيّد بكركي ينتظر أن يكون موضع أخذ وردّ في الأيام المقبلة سيّما وأن العماد عون سرعان ما ردّ على ذلك بأن رأى أن موقف الراعي فسّر بشكل خاطئ وأنه بصدد الاستفسار حول ما قيل.

وفي رأي المصادر أن مسألة عودة اللجان النيابية المشتركة للاجتماع ومواصلة البحث في مشروع قانون الانتخابات ستتبلور في الساعات المقبلة في ضوء مروحة الاتصالات التي سيجريها الرئيس نبيه بري لأجل ذلك بالتوازي مع اجتماعات تعقدها المعارضة لتحديد موقف نهائي من موضوع المقاطعة.

السابق
النهار: تقرير جديد في ملف سماحة
التالي
الحسن: الحكومة في مأزق كبير