لا الحوار له مناخ ولا الوسطية جسر

الغائب في لبنان هو مناخ الحوار، وليس فقط الجلسات المؤجلة من موعد الى آخر لهيئة الحوار الوطني. ولا يبدل في الأمر تسليم الجميع بالحاجة الى الحوار ما دامت المعادلة الصحيحة نظرياً محكومة بمعادلة مختلفة عملياً: لا حل إلا بالحوار، ولا حل في الحوار. فالطريق الى طاولة الحوار مقطوع في البداية ومسدود في النهاية. مقطوع حتى إشعار آخر بموقف قوى ١٤ آذار التي تشترط استقالة الحكومة قبل الحوار. ومسدود نهائياً بموقف حزب الله وحلفائه في قوى ٨ آذار المتمسك بالسلاح الذي هو البند الأساسي المختلف عليه.
وما يحدث في موضوع الحكومة، وسط الاعتراف بالمشكلة والانفتاح الكلامي على الحل، هو تكبير ثمن البقاء، لا تصغير كلفة الرحيل. وما يدار به الخلاف على السلاح هو الرهان على فائض القوة المعززة بالسلاح في مواجهة العجز السياسي عن تغيير المواقف، وترك الوقت في الحوار للمنولوغات والمناظرات حول الاستراتيجية الدفاعية.

وليس في الداخل قوة ثالثة تستطيع أن تقيم جسراً بين طرفي الانقسام السياسي الحاد المفتوح على انقسام إقليمي ودولي في الصراع الجيوسياسي على خارطة الشرق الأوسط. ولا في الخارج سوى قوى توظف الانقسام الداخلي في صراعاتها والمصالح. وتلك مشكلة على سطح مشكلة أكبر وأعمق. فالبلد لم يصل الى أية تسوية، منذ أحداث ١٩٥٨ حتى اتفاق الدوحة مروراً باتفاق الطائف، من دون وساطات ورعايات خارجية. ولا شيء في الأفق الإقليمي والدولي حالياً يوحي أن ما نسمعه يتجاوز النصائح الباردة. وما يجب أن يكون مصدر اطمئنان صار مصدر قلق، وهو ترك مسؤولية التسوية علينا.
صحيح أن في بعض الداخل والخارج توجهات للرهان على دور الوسط. لكن الصحيح أيضاً أن الوسطية محكومة بالعجز عن أن تلعب دور الجسر بين المنقسمين. فلا أركانها، باستثناء الرئيس ميشال سليمان، هم خارج الاصطفاف عملياً. ولا المسألة في النهاية هي ماذا تقول بل أين تقف.
ذلك أن أبلغ تعبير عن الواقع هو ردرد الفعل على المبادرة السياسية التي طرحها وليد جنبلاط. قوى ٨ آذار بلعت بالصمت كل مواقفه من ايران وسوريا والسلاح ومثلث الشعب والجيش والمقاومة، ما دام موقعه ثابتاً في الحكومة. وقوى ١٤ آذار رحبت ببعض ما قاله ورأته قريباً من مواقفها، ثم وضعته بين قوسين للتركيز على موقعه في الحكومة التي تريد استقالتها.
والبلد مشلول بالاضراب، والاقتصاد راكد، والانقسام شغال، والأمن مهدد. لكن الحكومة الفاشلة مستمرة بقوة الذين جاؤوا بها. والكل ينتظر، وإن حاول البعض أن يستبق انعكاسات ما ينتهي اليه الصراع في سوريا.

السابق
توجه اممي لاعطاء فلسطين حقها.. ومكاسب كثيرة للسلطة
التالي
حراك روسي لحل الازمة.. وتصعيد اوروبي والبحث عن بديل الاسد