حكومة اعلان بعبدا

اللعبة كانت ولا تزال أكبر من لبنان ومن اللاعبين فيه. والنصائح التي نسمعها من الكبار تتكرر يومياً، بصرف النظر عن نسبة الإصغاء اليها وعن نيّات أصحابها ومواقفهم: الأولوية للحفاظ على الاستقرار في منطقة مضطربة، ولتجنّب الذهاب الى الفراغ وسط الحاجة القصوى الى استمرار العمل في المؤسسات. لكن الخلاف ليس على ضرورة الاستقرار بل على ربطه ببقاء الحكومة الحالية التي هي سلاح لطرف وسط الانقسام السياسي الحاد. فلا أحد يريد المغامرة بالاستقرار. والكل يعرف، وان لم يعترف البعض، ان الوجه الآخر للخوف من الفراغ هو الخوف من الارتهان الى وضع أخطر منه.
ذلك ان ما يسلّم به الجميع هو ان الحفاظ على الاستقرار قرار دولي كبير. لكن التحدّي أمامنا هو ان نكمل القرار الدولي الكبير بقرار لبناني كبير. فالأساس الداخلي النظري للاستقرار هو إعلان بعبدا الذي كان آخر ما جرى الاتفاق عليه في الحوار، ما يعيد التذكير به الرئيس ميشال سليمان. والأساس الداخلي العملي هو ان إعلان بعبدا يستحق حكومة يتجسّد فيها. فهل نحن على هذا الطريق؟ وما الذي يمكن ان تقود اليه المشاورات التي يجريها رئيس الجمهورية انطلاقاً من الحرص الوطني على الخروج من المأزق، وسط خطاب دولي داعم؟
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يقول ان الأمور الوطنية لا تحل بالعناد والمكابرة والمواقف الانفعالية بل بالحوار لبلورة قواسم مشتركة يلتقي حولها جميع اللبنانيين. لكن الرئيس ميقاتي الذي يتصرف على أساس أن قوى ١٤ آذار تندفع في المكابرة يمارس هو وقوى ٨ آذار أعلى مراحل المكابرة. فالحكومة ترد على الدعوات الى الاستقالة بالعودة الى الشغل كالمعتاد. وليس ذلك ممكناً، ولو تعددت اجتماعات مجلس الوزراء. فالمناخ ازداد احتقاناً بعد اغتيال اللواء وسام الحسن.

وما يطلبه الجميع، وهو التحقيق لكشف خيوط الجريمة وتقديم المجرمين الى العدالة، تضيف اليه قوى ١٤ آذار مطلباً مهماً آخر: ان تدفع الحكومة والأطراف التي جاءت بها الثمن السياسي للجريمة عبر الاستقالة لتغيير المناخ المتشنج.
ولا أحد يدرك عمق المأزق أكثر من الأطراف الممسكة بالحكومة والمتمسكة بها في مواجهة نصف اللبنانيين على الأقل. فالمجال ضيق أمام الاستمرار تحت عنوان الاستقرار الذي لم يعد قائماً عملياً أقله على المستوى السياسي وعمل المؤسسات. وكلفة البحث عن حكومة أقل بكثير من كلفة المكابرة في ادارة الأزمة وسط الانقسام الداخلي والاضطراب الإقليمي الخطير.
والسؤال هو: الي أي حد يصح القول الشائع ان الرئيس ميقاتي خائف من الاستقالة وخائف من البقاء؟

السابق
محامو النبطية لن يحضروا جلسات الغد
التالي
جنبلاط التقى وهاب في المختارة