السفير: واشنطن تعيد حساباتها اللبنانية وتحذر من المجهول

عندما انحرف خيار قوى "14 آذار" من اتهام النظام السوري إلى توجيه غضبها على السرايا الحكومية في بيروت، لم يضيّع المسؤولون الأميركيون بوصلة التركيز على زلزال اغتيال رئيس شعبة المعلومات اللواء وسام الحسن.

الحسن ليس شخصية عابرة بالنسبة إلى الأميركيين. هو رأس التعاون الامني اللبناني ـ الأميركي منذ توليه هذا المنصب عام 2006، مع خطوط مفتوحة بينه وبين وكالة الاستخبارات المركزية في كل مفاصل الازمة اللبنانية، على الرغم من غيمة توقيف شبكات التعامل مع إسرائيل داخل الأراضي اللبنانية.

يمكن لحكومة سعد الحريري ان تسقط، لكن كان هناك خط أحمر اميركي على اللواء وسام الحسن والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء أشرف ريفي، وعلى هذا الأساس تعهد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أثناء تشكيل حكومته، بحمايتهما سياسياً.

أبعد من السجال السياسي الدائر، تعتبر واشنطن ان ضربة الاغتيال موجهة إليها أيضاً، وبالتالي هي الآن في مرحلة إعادة النظر بسياستها حيال لبنان، برغم الخيارات المحدودة المتاحة أمامها. لقاء وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون مع ميقاتي مؤخراً في نيويورك كان ذروة دعم واشنطن لما تمثله هذه الحكومة في لحظة سورية حرجة، بعدما كان هناك نوع من غض الطرف او الرضى على حكومة ميقاتي التي كانت تسجل نقاطاً على "حزب الله" وحلفائه، اكثر مما تمكن سعد الحريري خلال وجوده في السلطة.

الشعور السائد في الادارة الاميركية الآن ان الحكومة الحالية سقطت عملياً لحظة اغتيال الحسن، لكن كان هناك إيعاز للسفارة في بيروت ان تكون حذرة في إعلان أي موقف لأن الوضع في لبنان دقيق في هذه المرحلة، والجوار لا يزال يسير على الإيقاع السوري. وهذه الرغبة الاميركية في التمهل في مقاربة مسألة الحكومة هي نتاج نظرة واقعية، تعتبر انه حتى لو قدمت الحكومة استقالتها، سيكون عليها بأي حال تصريف الاعمال حتى تشكيل حكومة جديدة.

فكرة الحكومة الحيادية هي الاكثر قبولا الآن، إلا ان هناك نقاشات وتساؤلات اميركية حول مدى قدرة الرئيس ميشال سليمان على الخروج بحكومة كهذه بالتراضي او بالتغاضي، وما اذا كان سيتمكن من الإمساك بالمفاصل الامنية في الادارة اللبنانية. وهناك إشادة بمواقف سليمان الأخيرة، لا سيما خلال مراسم تشييع الحسن، والانظار موجهة اليه الآن لأخذ المبادرة، وبلورة حل مع الاطراف الداخلية و"دفع الكرة الى الامام". وبالتالي الاعتقاد السائد ان أسهم حكومة نجيب ميقاتي تراجعت، لكن العلاقة الاميركية مع ميقاتي لا تزال على حالها، برغم التحفظ على عدم إعلانه مواقف واضحة تشبه مواقف سليمان.

ربما تكون معضلة القادة اللبنانيين في التعامل مع الموقف الاميركي انهم يريدون الاستماع الى كلام واضح حول ما تريده واشنطن. ولكن المقاربة الاميركية ستبقى في مرحلة غموض، ليس فقط لأن الانتخابات الرئاسية على الابواب، وبالتالي لن يصل الملف اللبناني، على الارجح، الى مكتب الرئيس باراك اوباما، بل لأنه لا يمكن ان تكون لواشنطن إستراتيجية في لبنان، طالما ان ليست لها إستراتيجية في سوريا.

الأهم من ذلك، منذ الإيحاء الى كميل شمعون بعدم تجديد ولايته تمهيداً لرئاسة فؤاد شهاب، وصولاً الى انتظار الحكومة اللبنانية إشارة اميركية حول التصويت على العقوبات الدولية على النظام الايراني في مجلس الأمن في حزيران 2010، يبدو واضحاً ان واشنطن لا تحترف إيصال كلمة السر، بل تكتفي بالتلميح لمن يقرأ بين حروف كلماتها.

السابق
الاخبار: خلاف الاشتراكي ــ المستقبل يتأزم
التالي
النهار: الحكومة تقرّ تشكيلات ديبلوماسية الأربعاء هيئة التنسيق تجمد اليوم تحركها