الواجب الجهادي في سورية؟!

في النقاش الدائر حول ما بات يعرف بظاهرة تشييع شهداء «الواجب الجهادي» لدى حزب الله، فإن هذا الأخير في المبدأ يعمل على «تقديس» شهدائه ولا يخفيهم، لأنه يعتبر أنهم يقاتلون في سبيل الله والقضايا المحقة التي يؤمنون بها، وفي مقدمتها القضية المركزية للعرب والمسلمين في فلسطين وكل المنادين بالحق الإنساني في هذا العالم.
وكما لا يخفي حزب الله شهداءه، فهو لا يخشى الإعلان عن مكان استشهادهم، لكنه قد يؤجل ذلك حرصاً على المصلحة العامة التي تخدم بعمق قضية الوحدة التي يعمل الآخرون على تصدعها خدمة لأغراض مذهبية تصب مباشرة في مصلحة العدو «الإسرائيلي» ومشاريعه التفتيتية في المنطقة وخاصة في سورية ولبنان وباقي محور الممانعة.

في رواية أولى عن مكان استشهاد علي حسين ناصيف المعروف بـ»أبو عباس»، أحد قياديي حزب الله العسكريين الذي شُيِع قبل يومين في بلدته بوداي في البقاع اللبناني، وقال حزبه إنه استشهد أثناء قيامه بواجبه الجهادي، برزت رواية قتله من قبل مجموعة سلفية سورية تابعة لما يسمى بـ»الجيش السوري الحر» داخل سورية على طريق القصير – حمص، فيما تقول رواية أخرى أنه استشهد خلال نقل عبوة ناسفة كبيرة بعد تفكيكها من مقام السيدة زينب جنوب العاصمة دمشق، فيما يقول متابعون إن تلك الروايات المتعددة لا تنفي أن الواجب الجهادي يقضي التدخل والمشاركة في الحرب التي تدور في سورية لا سيما أن الهدف منها لم يعد خافياً على أحد، بل على العكس، فإن أصحاب مشروع ضرب الدولة في سورية يجاهرون بأنهم يريدون القضاء عليها من أجل كسر حلقة المقاومة التي ارتسمت على مدى أكثر من 30 عاماً وحققت فيها الأخيرة انجازات غيرت مسار التوازنات التي جلبها التخاذل العربي منذ ما قبل تلك الفترة.

يضيف المتابعون أن المشاركة بالقتال في سورية «مشروعة» بل باتت «واجبة» في ظل ما هو معلن من أهداف للحرب، وإن على جميع حلفاء سورية أن يهبوا للقتال معها مثلما وقفت الى جانبهم في حروبهم المتعددة، كما وقفت الى جانب أفرقاء هم اليوم يقاتلونها تحت عناوين مختلفة تتراوح بين المذهبي والطائفي والسياسي، في حين لا يعتبر عدم إعلان حزب الله عن مشاركته في الحرب خوفاً أو هروباً من المسؤولية تجاه المجتمع الدولي أو لبنان أو المنطقة، أو انعطافاً عن جبهته الأساسية في جنوب لبنان في مواجهة العدو «الإسرائيلي»، لأنه يعرف جيداً أن ظروف إقدام «إسرائيل» على أي فعل تجاه لبنان غير متوفرة، على الأقل في الفترة الحالية، في وقت هو فيه بأعلى درجات الجهوزية التي قال عنها أمينه العام إن استراتيجيتها قد اختلفت عن السابق، وإن مسألة قتال العدو «الإسرائيلي» باتت لا تحتاج الى الكثير من العناء في ظل ما صار موجوداً بحوزة المقاومة من سلاح فعال لا حاجة إلا للقليل منه لإلحاق افدح الأضرار المادية والخسائر البشرية داخل الكيان الصهيوني.

يؤكد مسؤولون جهاديون في المقاومة أنهم مطمئنون للقدرات التي تمتلكها للتصدي لأية محاولة «إسرائيلية» للاعتداء على لبنان، وأنه لا داعي للقلق على مصير الجنوب أو لبنان من هذه الناحية، لأنه لو صح أن الحزب يقاتل في سورية، فإنه لن يدير ظهره للعدو «الإسرائيلي»، الذي يحاول البعض استدعاءه تلميحاً. ويشير المسؤولون في هذا الصدد الى أن مسألة القتال في سورية قابلة للنقاش بشكل فعلي لا سيما عندما تتخذ معظم دول العالم بعربها وغربها قرارات تدعو وتعمل من خلالها على رفد الجماعات المسلحة التي تقاتل هناك بالأفراد من جنسيات مختلفة، وبالعتاد والأسلحة من مختلف الأنواع، وبمال لا يحرق ولا يغرق.. فكيف يستنكر المستنكرون مشاركة حلفاء سورية في قتال هم يعرفون أن حريقها يستهدفهم بشكل أولى من استهداف الدولة في سورية أو قيادتها، وأن الحرب ليست حرب إصلاحات بل هي حرب «وجودية» استطاع الغرب وبعض الجبناء من العرب افتعالها لمصلحة «إسرائيل» في المنطقة فقط.

من هذه المنطلقات، تصبح نظرية «النأي بالنفس» التي تدعيها أطراف حكومية في لبنان ساقطة، خاصة أنها تمارسها بـ»عين واحدة» وتستفيد منها تلك الأطراف في عمليات سياسية ذات أهداف «شخصية» و»مشبوهة» نتيجة مراهنات سيتضح قريباً انها خاسرة بالنسبة لهم، بينما لا تستطيع أجهزة الدولة كافة تطبيقها في ظل التركيبة الهشة للمجتمع والدولة في لبنان.

«الواجب الجهادي» مشروع في كل الحالات كما هو مشروع في سورية، والنتائج المترتبة عليه أيضاً مشروعة بالكامل، وإن استطاع حزب الله أن يجاهر بتشييع أحد قيادييه الذين التبس على القوم مكان استشهاده، فإنه تجرأ على دفنه علناً وباعتزاز كامل حتى ولو لم يعلن أين استشهد. في حين أن السؤال يجب أن يتوجه بخصوص الجثث التي تعبر الحدود الشمالية والشمالية – الشرقية الرسمية وغير الرسمية والملقاة في حقول وملفوفة بأغطية وبعضها اللبناني وتدفن على «السكت»، وبعضها الآخر مجهول الهوية ومكدس في شاحنات وباصات تدخل وتخرج ليلاً من مخيمات في تلك المنطقة، ومدى تأثير ذلك على انزلاق لبنان نحو المشاركة بالحرب داخل سورية أو فتح حدوده على نيرانها.

وفي العموم، فإن الجيش السوري ليس بحاجة حتى اللحظة الى من يعينه على القتال ضد الجماعات المسلحة، فلعل المفارقة الغريبة التي لا يعلمها الكثيرون أن «الثوار» في سورية يتم دعمهم بعناصر غريبة من الخارج تذهب لتقاتل بشعارات مذهبية، وأن الدولة هناك تتلقى يومياً آلاف طلبات التطوع بالجيش من قبل مواطنين وشبان وشابات بعمر الورود لا يزالون طلاباً في الجامعات.  

السابق
بخاخ لحل الخلافات الزوجية
التالي
قطر والسعودية اوقفا تسليح المعارضين.. والشرع بديلا عن الاسد