كوابيس الأمة النائمة

   29 أيار 1453 هو تاريخ فتح القسطنطينية وانتصار العثمانيين
من نتائج هذا الفتح هجرة العلماء البيزنطيين إلى أوروبا الغربية، ما أدى إلى بدء الدراسات الإغريقية الكلاسيكية وبداية النهضة في أوروبا. لذلك ينظر المؤرخون الى هذا التاريخ باعتباره فاصلاً بين عصرين، عصرالقرون الوسطى وعصر النهضة الأوروبية.
بعد نحو نصف قرن على هذا الحدث، خضعت سورية الطبيعية والعالم العربي للحكم العثماني الذي ألغى حكم المماليك واعتبرالأمر امتداداً لحكم أجنبي استمر الخضوع له والقبول به باسم الدين .
في ظل السيطرة والهيمنة العثمانية التي دامت نحو أربعة قرون ازداد حالة التخلف على حالة القرون الوسطى ولم نحتكّ ولم نتفاعل مع التغيّرات الكبرى التي شهدتها أوروبا في ما عرف بعصر النهضة الذي أسّس لقيام الدول العصرية على أساس التطورات العلمية والتكنولوجية والفلسفية والقانونية والسياسية التي شهدتها أوروبا منذ فتح القسطنطينية.

استمر التدهور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي تحت الحكم العثماني نحو الحالات المغلقة والبدائية، وأجهضت محاولة النهوض التي حاول فخر الدين الثاني القيام بها. كما ضرب المشروع الكبير للنهوض الذي قام به محمد علي في مصر. وفيما شعوب العالم تنهض لتثبت وجودها ومكانتها بين الأمم، كانت الشعوب العربية غارقة في سباتها، ما سهّل للاستعمار الغربي اختراقها والتغلغل في مفاصلها وتقطيع أوصالها ورسم حدود دويلاتها واستعمارها واسستتباعها في ظل الاستقلالات الوهمية لمعظمها.

لم تنعدم محاولات النهوض في ظل الاستعمار المباشر والأنظمة الملحقة به من خلال حركات المقاومة المعبّرة عن روح الأمة الحيّة. وقامت حركات وتيارات برعاية ودعم أجنبيين تحمل يافطات النهضة والاستقلال والحرية وغير ذلك من الشعارات الجميلة والجاذبة، فيما الهدف المضمر تنفيذ مخططات الأجنبي والوقوف في وجه حركات النهوض الحقيقي وإجهاضها. فالنهضة الحقيقية تقف في وجه المحتل وتقاوم مشاريعه ومخططاته، ولا يمكن لأحد أن يتخيل إمكان النهوض في ظل دعم المحتّل.
ما يسمى بالمجتمع الدولي هو في الأساس تعبير عن الدول الغربية المهيمنة على الوضع الدولي والمسؤولة عن ويلات معظم الشعوب. وثمة منظومة غربية واحدة تتزعّمها الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني جزء منها.

منتهى خداع الشعب والاستهزاء بأمانيه هو اتفاق حركات سياسية بالسرّ أو بالعلن مع أميركا وتصوير ذلك تحريراً ونهوضاًَ للشعب. ومنتهى الغباء من يصدّق أن حركات النهضة والحرية لشعوبنا يمكن أن يقوم بها التابعون لسفارات الغرب ودوائره، أو أن تكون بمباركة هذا الغرب ودعمه. النهوض الحقيقي والتحرر الحقيقي لا يكونان الا بمواجهة هذا الغرب ومقاومة مشاريعه التي تستهدف مصالحنا وتهدّد وجودنا. إنه المعيار الحقيقي للتمييز بين العملة الصحيحة والعملة المزيّفة.
تابعوا تاريخ كل المواقف السياسية الفعلية ولا تنظروا الى الشعارات الزائفة التي ترفع. اسألوا من هي الشخصيات والحركات السياسية المقاومة بالفعل لا بالقول للاغتصاب الصهيوني والاحتلال الأميركي لبلادنا؟ ومن هي الشخصيات والحركات التي وصلت الى الحكم بالتعاون معهما؟

عندما أحرقوا المسجد الأقصى سنة 1969 قالت رئيسة الوزراء «الإسرائيلية» غولدا مائير:
«لم أنم في تلك الليلة وأنا أتخيّل العرب سيدخلون «إسرائيل» أفواجاً من كل صوب، لكن عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء أدركت أن باستطاعتنا فعل ما نشاء، فهذه أمة نائمة».
يوظف الدين لتخدير الناس وتنويمهم وإلهائهم بالقشور والشكليات، بدلاً من استخدامه للارتقاء بالحياة وإعلاء حرية الإنسان وكرامته. وبدلاً من مواجهة الظلم والظالمين على قواعد العلم والعقل والحق والإيمان، يوظيف الدين في الفتنة والاستكانة أمام مظالم المحتل وأطماعه.

تابعوا الحركات الدينية التي وصلت الى الحكم في تونس وليبيا ومصر، وتلك التي تسعى الى السلطة في سائر البلدان، كلها تحمل يافطات النهضة والحرية والعدالة والتنمية .
ما هي برامجها للتنمية وللنهضة وما مفهومها للعدالة والمواطنة؟ وأين شعاراتها السابقة من كامب ديفيد وحصار غزة ؟ لماذا يختنق صوتها وتكتم أنفاسها عندما يتعلق الأمر بإدانة أميركا؟!
ظن كثيرون أن «الثورات العربية» تحمل أحلاماً وردية وربيعاً مزهراً ونهضة للشعوب، لكن الوقائع والنتائج أظهرت عكس ذلك. أحلام الشعب النائم انقلبت كوابيس رهيبة لم تنتج إلاّ الفظائع والتخلّف والانحطاط والتغنّي بمجد ضائع أنتجته نفوس حرة ومستقلة لا نفوس تابعة وضعيفة تبحث عن خرافات وتعيش في الأوهام.

بعد دراسة “الثورات العربية” ونتائجها، توصلت مجموعة من الباحثين الأوروبيين إلى أن “الربيع العربي” الذي تتغنى به أميركا لم يعالج الظواهر السلبية الاجتماعية ولم يضع حلولا للاقتصاد المتدهور. والاداء السياسي والاداري يدلانّ على العجز والفشل، والديمقراطية التي تتحدث عنها أميركا هي ديكتاتورية برداء اسلامي.
ما النتيجة التي يمكن توخّيها لو صرفت جهود الشعوب العربية وطاقاتها وامكاناتها في الاتجاه الصحيح ضد العدو الحقيقي؟ كم هي المليارات التي صرفت خدمة للمشاريع الأميركية والصهيونية؟ كم عدد القتلى في ما يسمى «الثورات العربية» ولماذا لا تصرف هذه الطاقة القتالية في فلسطين وضد الغزوة الأميركية؟ من المستفيد من الخسائر في البنى التحتية ومن قتل النخب العلمية والفكرية وتهجيرها؟ هل اتفاق الحركات الاسلامية مع الأميركي سيضمن سلطتهما أم أنها ستنتهي بانتهاء وظيفتهما وفترة حكمهما مثل من سبقها من الأنظمة التي اتكأت على دعم الأميركي لا على شعوبها؟
لن تكون نهضة ولا ربيع ولا ديمقراطية مع تنظيمات دينية ومذهبية.

الأنظمة الديكتاتورية مولّدة للفساد بطبيعتها ولا يمكن أن تستمر مع تطور وعي المجتمع، لكنها في بعض الحالات والمراحل التاريخية تستطيع إذا أتيح لها قيادة وطنية واعية ورشيدة أن تلعب دوراً توحيدياً لمجتمع مفكّك ومتخلّف،ويمكن أن تساهم في النهوض بشكل فاعل، والأمثلة التاريخية على ذلك كثيرة.
أما الأنظمة المذهبية التكفيرية فهي مولّدة لفساد أكبر وأشد خطراً لأنها تعطيل للعقل ومشروع فتنة دائمة . إنها جاهليات متجدّدة، تقدّم الى الوراء، وكوابيس مزعجة.  

السابق
لا نجرؤ على شيء… شعار حضارتنا
التالي
حزب الله وحربه الإستباقية ضد الخيار الشيعي