لماذا صفعة سليمان وعون بدمشق؟

ما هو الرابط بين قرار المعارضة مقاطعة الحوار الرئاسي، وكلام وليد جنبلاط عن زيارة ألان عون لدمشق أخيراً؟ في الشق الأول من المعادلة كثر الكلام من قبل خصوم الفريق الحريري، عن ربط خطوة المقاطعة بأبعاد إقليمية متشعبة. تبدأ بتطورات الوضع السوري بعد زلزال 18 تموز، وتتصل بعودة بندر بن سلطان إلى واجهة القرار الأمني السياسي في نظام آل سعود، فيما القراءة الذاتية للفريق المقاطِع لا تخلو من عناصر وازنة. يكفيها أن حادثتين أمنيتين قد استهدفتا ركنين من أركان هذا الفريق، في ظل ملابسات فاضحة يقع بعض مسؤولياتها على عاتق الأكثرية الحكومية، وفيما حزب الله ينعى الحوار، بنسفه مبدأ البحث عن «استراتيجيا دفاعية»، وعودته إلى المربع الصفر، بالتمسك بـ«استراتيجيا تحريرية».
غير أن العارفين بخلفيات الفريق الحريري ودوافعه، يشيرون إلى مسألة أخرى أكثر دقة واستبطاناً. يقولون إنها فعلاً مفارقة أن يوجه الفريق الحريري هذه الصفعة إلى ميشال سليمان في هذا التوقيت بالذات. وذلك على ثلاثة مستويات:

أولاً، إذا كان الفريق الحريري «يقوص» سياسياً في إطار تموضعه السوري المعروف، لجهة زيادة الضغط على الحكم في دمشق ورفع منسوب الدعم والمؤازرة للمعارضة المسلحة هناك، فإن صفعته لرئيس الجمهورية جاءت في توقيت مستغرب: في لحظة مبادرة سليمان إلى اتخاذ موقف استثنائي بتوجيه احتجاج لبناني إلى سوريا بشأن حوادث الحدود بين البلدين.

ثانياً، إذا كان الموضوع الفعلي لقرار مقاطعة الحوار، هو سلاح حزب الله، فتوقيت الخطوة لم يخدم هدفها بقدر ما أساء إليه. ذلك أن مقاطعة الحوار جاءت عشية الجلسة التي كان رئيس الجمهورية يزمع طرح تصوره لهذا السلاح فيها، وعرض رؤيته للاستراتيجيا الدفاعية الممكنة، وخصوصاً أن أدبيات ميشال سليمان في هذا السياق، منذ إطلاق تعبير «نموذج العديسة»، بدت أقرب إلى منطق الفريق الحريري في هذا الشق بالذات، منها إلى تمنيات حزب الله ورغباته المطلقة.

ثالثاً، إذا كانت المقاطعة الحريرية للحوار مرتبطة فعلاً بقصة داتا الاتصالات، رغم ركاكة هذا الطرح وانكشافه التقني والموضوعي، فالمفارقة هنا أيضاً أن توقيت المقاطعة جاء فيما ميشال سليمان يدافع عن وجهة نظر الفريق الحريري من موضوع الداتا في مجلس الوزراء، ويسهم في ترجيح وجهة النظر تلك في الاجتماعات الحاسمة التي عقدت لهذا الشأن، في شكل مغاير لكل منطق قانوني أو حقوقي أو مبادئ حريات عامة.

هكذا يظهر السؤال سافراً: إذا كان رئيس الجمهورية في مواقفه الثلاثة الأخيرة، من التطورات السورية، ومن سلاح حزب الله، ومن داتا الاتصالات، قد تبنى موقفاً أقرب إلى الفريق الحريري، فلماذا سارع هذا الفريق نفسه إلى توجيه صفعة إلى مساعيه؟ هنا يؤكد العارفون أن السبب مرتبط بقراءة الفريق الحريري للمرحلة المقبلة، وخصوصاً لما يراه مرحلة «سوريا ما بعد الأسد»، إذ يتطلع الفريق الحريري في تلك المرحلة المرتجاة إلى حصد ثمارها اللبنانية بشكل احتكاري استئثاري كامل، بحيث لا يشاركه فيها شريك. والفريق نفسه ينظر بريبة إلى مواقف ميشال سليمان الأخيرة. فما اعتبره المراقبون مسايرة من رئيس الجمهورية للفريق الحريري في المواضيع المذكورة، وجد فيه الأخير محاولة خفية لتمايز سياسي رئاسي في الموضوع السوري، ونوعاً من إعادة تموضع، يمكن في حال نجاحها أن تجعل ميشال سليمان من «الناجين» من غرق المركب السوري المترنح حتى الانهيار، وفق اعتقاد المعارضة، فيما الحريريون يحرصون على إغراق كل من ليس تابعاً لهم، في تلك العاصفة السورية بالذات. أولاً لأنهم لم ينسوا اضطرارهم إلى انتخاب ميشال سليمان رئيساً بعدما كتبوا عنه طيلة أشهر أنه «المرشح السوري». ثانياً لم يغفروا دوره في إسقاط الحريري ووصول ميقاتي. وثالثاً والأهم، أنهم لا ينسون أبداً دعواته المتكررة إلى تعديل موازين النظام وصلاحيات الرئاسة، فيما هم يتطلعون «بعد الأسد» إلى تكريس نظام «السنية السياسية»، من دمشق إلى بيروت، إلى ما بعد ما بعد العاصمتين.

الخلفية نفسها رصدها العارفون بوليد جنبلاط، في زعمه أن النائب ألان عون زار سوريا أخيراً. فسيد المختارة حريص على إغراق ميشال عون أكثر بكثير من حرص الحريريين على إنهاء رئاسة الجمهورية. وهو ارتاب من مواقف الجنرال الأخيرة. يخشى أن تكون تمايزاً سورياً مماثلاً لمحاولة سليمان، ما جعله يفكر: لا بد من إظهار التصاق عون الكامل والنهائي ببشار، وتأكيد رهانه الثابت عليه. نائب بعبدا الشاب يصلح لهذه «التهمة». فهو ابن أخته، وأكثر «اليمينيين» علانية في أجنحته. فإذا سوَّقنا أنه هو نفسه «سوري» الرهان، يكونون كلهم «سوريين»، ويجري التعامل معهم لاحقاً على أنهم في المركب نفسه. المركب الذي قال جنبلاط علناً إنه يقف عند الضفة، ينتظر مرور جثث كل ركابه…  

السابق
الاخبار: نصر الله: نواجه حرباً أميركية ناعمة
التالي
شهيب رجع