حرب المصالح الضيِّقة..

تتسارع وتيرة الأحداث في سوريا بشكل غير مسبوق وصولاً إلى نقطة مفصلية تضع قدرة النظام على إحكام سيطرته على أمن العاصمة بعدما فقدها بأغلب المدن السورية، خاصة أن التفجير الذي أودى بالقيادات الأمنية التي تُدير خليّة الأزمة في المواجهة مع الثورة السورية، وقع في ما يُسمّى بالمثلث الأمني، مخترقاً التدابير المشدّدة، والهالة الأمنية التي وضعها النظام سابقاً.
وبدلاً من أن يكون الهدوء والتروّي يُقابل هذا التصعيد الإقليمي، إختار التيار العوني أن يدق ساعة الصفر في مواجهته الإنتخابية المقبلة، وكأنها واقعة غداً. ضارباً الاستقرار والتوازن الداخلي عرض الحائط.

وعلى الرغم من وجوب قراءة نتائج انتخابات الكورة كمؤشّر للمزاج الساري في الشارع المسيحي، ولتحديد المواطنين لأولوياتهم واختيار المدرسة السياسية لتحقيقها، إلا أن الأمن والاستقرار يبقيان خطاً أحمر لا يجوز لفريق تجاوزه، خاصة بعدما أمعن من حارب للحصول على الوزارات الخدماتية، بتعطيل خدمات المواطن الحياتية والأساسية وعرضها في المزاد العلني وكأنها أملاك خاصة يعود ريعها إلى الجيوب الفردية!

لم يشهد لبنان، ولا في أحلك أيام الحرب، تدهوراً كالواقع حالياً، فالوطن بكافة مدنه وقراه غارق في الظلام، ولا بوادر لحلحلة قريبة في ظل الكباش الحاصل بين الحلفاء على ساحة شركة كهرباء لبنان، والشوارع باتت مزارع خاصة يحتل كل فريق ما يحلو له منها ويعطِّل أشغال الناس ويقطع بأرزاقهم، ولا من يردعه خوفاً من الفتنة ومن استغلال محاولة الدولة فرض هيبتها الأمنية!
أما الطرقات، فقريباً ستُدرج في البورصة لتُحدِّد كل يوم المفتوح منها والمُغلق، فاللغة السائدة هي لغة شارع و«زعران»، يقطعون طريقاً من هنا ويفتحون أخرى من هناك.. والمواطن يتنفّس التلوّث الحسّي والمعنوي دافعاً الفاتورتين غالياً من جيبه الخاص دون حسيب أو رقيب.

فهل التغيير يتم بقطع الطرقات؟ والإصلاح يتحقّق بالمتاجرة بحاجات الناس وتجييرها صفقات خاصة يتم ابتزاز الحلفاء قبل الخصوم عبرها؟
في وطن ينزل المواطن ليدافع عن الجيش ويعطِّل الدورة الاقتصادية ويُمعن في الإساءة لصورة الوطن الحاضن للسياحة والذي ينعم بالإستقرار والأمن، وتتحوّل قضية موظفين يطالبون بحقوقهم، بغضّ النظر عن أحقيتها أم لا، إلى قضية طائفية بامتياز وكأن التيار العوني كان ولا زال حامي الطائفة ومصالحها من شريعة الغاب..

في وطن انقلبت المعايير وبات شد الوتر الطائفي وشحن النفوس بالكره ومحاربة شركاء الوطن هو مقياس الوطنية، حيث نُصرة الطائفة على حساب الوطن هي علامة النجاح السياسي، لم يعد أكيداً قدرة الوطنيين الحقيقيين والعقلاء والحكماء على حماية الساحة الداخلية من الأزمات المستوردة أو المفبركة محلياً، ولكن الأكيد أن الانتخابات المقبلة ستكون مفصلية والحساب عسير، وربما من يُسرع لهذا الاستحقاق إنما يُسرع لنهايته السياسية! وعندها لن يكفي خطاب ناري أو قطع طريق أو حرق دواليب لتغطية الفشل الذريع.. فهل يلجأ إلى اللعب المكشوف بشكل أوقح أم تتم إعادة الحساب بشكل أعقل؟ على أمل أن تثبت الفرضية الثانية يبقى الرهان على الإرادة الوطنية لتحييد الساحة المحلية عن أزمات لا فائدة للبنان منها لا من قريب ولا من بعيد، ووعي شعبي من خطورة السير وراء قيادات لم تجرّ إلا الويلات على قاعدتها!
 

السابق
أنا أخاف الحرب
التالي
إختتام المخيّم الشبابي الصيفي في راشيا