بشار يحترق

لم يعد هناك حصن، اوحتى بيت آمن، لنظام طاغية دمشق بشار الاسد، النيران تشتعل ليل نهار تحت اقدامه، من أمامه وخلفه، على يمينه ويساره، الاشتباكات المسلحة العنيفة تحدث كل يوم تحت شباك غرفة نومه، ولأكون اكثر دقة، غرفة نومه السابقة، بعد ان بات يفر من قصوره ومقراته، حرسه الخاص جداً مخترق، مباني اجهزة الأمن المحصنة تتهاوى الواحدة تلو الاخرى، وأطفاله انقطعوا عن الدراسة.
الاخطبوط القاتل يفقد مزيدا من الأذرع المسمومة والضاربة كل يوم، موتا او هربا او انحيازا لثورة الشعب السوري العظيم، الحبل يلتف حول رقبة بشار ومن بقي من افراد اسرته وازلامه المنبوذين، عقارب الساعة تقترب بسرعة اكبر من ذي قبل من قرع جرس النهاية، فالنظام بكل المعايير سقط وانتهى وفقد السيطرة تماماً على اكثر من نصف العاصمة كما هو الحال مع كل ارياف سورية، ريف دمشق وحلب وحمص ودرعا ودير الزور وادلب والحسكة والجبل والساحل، كما فقد اي دعم من العشائر الكبرى التي كان يعتمد عليها.
ما بقي ونحن جميعا بانتظاره، هوان تنتصر الثورة، ثورة كل الشعب السوري. فسقوط نظام بشار الطاغية، لا يقود بالضرورة الى انتصار الثورة، انتصار وفقا للمعايير والشعارات التي اطلقها الثوار منذ اليوم الاول، فالحرية والكرامة، الشراكة والمواطنة، الديموقراطية وحكم القانون، تلك هي أسس ومظاهر الانتصار الحقيقي لثورة الشعب، وشرعيتها في عيون وقلوب السوريين جميعا.
اقتراب نظام الاسد من خط النهاية في تسارع لافت ومكثف، وذلك يفسر من وجه اخر ارتفاع وتيرة العنف الدموي من قبل من بقي في صف النظام الوحشي، وحتى هؤلاء باتوا في دائرة شكوك النظام بعد الخروقات الأمنية الهائلة، وقد تشتد الامور صعوبة، وعسرا اكبر، ويرفع النظام دمويته الى حدود قصوى لم نألفها خلال عمر الثورة.
فالايام والأسابيع المقبلة حرجة للغاية بحكم ردود الافعال المتوقعة من نظام دموي يائس، نظام عنصري وفاش يلفظ انفاسه الاخيرة، وأركان النظام يعرفون جيدا ان نهايتهم لن تكون سلسة وناعمة، بل ستكون دموية وقاسية، كما اننا سنشهد حكما تزايدا في وتيرة القافزين هربا من المركب الغارق.
ضربة مبنى الأمن القومي في قلب العاصمة دمشق، لم تكن عملية نوعية ناجحة فحسب، بل علامة فارقة أسقطت كل الخطوط الدفاعية الحمراء للنظام، وقضت على رؤوس القوة الضاربة المسؤولة عن قتل واختطاف وتهجير عشرات الآلاف من ابناء الشعب السوري على امتداد ستة عشر شهرا الماضية، خسارة النظام فادحة في هذه الضربة، وغير قابلة للتعويض، وانتقام الثورة هو الاخر كان القصاص العادل من أولئك القتلة.
اصف شوكت وداوود راجحة ومحمد الشعّار وحسن تركماني ليست مجرد اسماء ومواقع رسمية في بنية نظام الاسد الاب والابن، بل ادوات موت وإبادة جماعية حقيقية، وتطهير عرقي منظم ومخطط، نفذه اولئك عن اقتناع وإيمان بان السوري الجيد هو السوري الميت، فاستحقوا القصاص العادل من ثورة الشعب، والبقية ستأتي، فلن تنام سورية قبل اقتلاع ومحاسبة كل رموز الاجرام والمجازر الجماعية، من قتلة الاطفال والنساء. 

على الجبهة الاخرى، جبهة الثورة، تتسع رقعة انتشارها عموديا وأفقيا بتسارع مبشر، ونسق صاعد، عسكريون كبار ينحازون كل يوم، بل كل ساعة ودقيقة الى جانب شعبهم، ينقلون البندقية من كتف الى كتف من دون تردد ليخوضوا غمار الخطر، وليدافعوا عن بني وطنهم، وعن القسم الذي أدوه في بداية انتسابهم للجيش السوري، ليصبحوا وبحق حماة الديار والأهل، ويعكس ذلك نفسه مزيدا من ثقة الثوار بأنفسهم وشموخ ثورتهم، ومزيدا من الاستعداد والفداء في صفوف «الجيش السوري الحر».
الطاغية بشار الاسد، نفسه هارب خارج العاصمة دمشق خوفا على امنه وامن اسرته، متحصنا بجغرافية طائفية، بعد ان نقل الى مناطق الساحل السوري كمّاً هائلا من الاسلحة العسكرية والمؤن والإمدادات ومراكز قيادة وسيطرة، ولن يغير في المشهد شيئا ان ظهر غد اوبعد في مكان ما في دمشق، وان كنا لا نعرف اين هو الطاغية الآن، فإننا نعرف مكانا لن يكون فيه، فلا مكان له في مستقبل سورية مطلقا، وهذا حكم اصدره الشعب السوري مع سقوط السرايا الاولى من شهداء الثورة.
سقوط كل تلك الرؤوس الإجرامية دفعة واحدة، وفي مكان واحد، بتخطيط واعداد مسبق، وعلى درجة عالية من الاتقان، مؤشر قوي على مدى ارتفاع نوعي في عمل الثورة، ومن تطوير وإبداع لادوات ووسائل التنفيذ، لكن هذه الضربة الموفقة، مؤشر صارخ أيضاً لمدى تهلهل وهشاشة الجدران الداخلية للنظام.
فبضربة واحدة قضت الثورة السورية على الرموز والأركان الرئيسية في خطة النظام للحل الامني، لتدفع ببقية رموز القبضة الأمنية الى الخوف والرعب، والاختباء وراء حراسات مشددة، وكل من في صف الطاغية يعرف الآن، ان عليه خلع النظام والاحتماء بالثورة، اومواجهة وضع مشابه لراجحة وشوكت والشعار وغيرهم.
عند بداية الحكاية كان الثوار يبحثون عن اماكن آمنة، ويكتفون بالدفاع السلمي والسلبي عن انفسهم وعن ثورتهم، وقدّموا قوافل شهداء على مد البصر من اجل حماية سلمية ثورتهم، اما الان، وقبل ان يسدل الستار نهاية الحكاية، نرى النظام ورجاله هم من باتوا يبحثون عن ملاذات آمنة، يتراجعون في قتال دفاعي بحت، بانتظار الهزيمة الاخيرة والنهائية.
ذلك المنحى للاحداث يترافق مع بوادر الإعصار المقبل، والعشرات من كبار ضباط الجيش والضباط وضباط الصف والجنود اصبحوا منشقين عن النظام رغم بقائهم في وحداتهم القتالية، وهؤلاء الأبطال يخاطرون بحياتهم مرتين، مرة بالولاء للثورة، واخرى تنكرا لاداء ما تطلبه الثورة من الداخل، وهم هناك لاحداث تأثير حاسم في اتجاهات المعارك التي تغطي سورية كلها.
بشار يحترق بنيران حماقاته ضد الشعب السوري، ويتلاشى من فرط غبائه، وغباء من هم معه، اما الشعب السوري بثورته التاريخية الحمراء فيزداد اشراقا، ويعلو ناهضا من تحت رماد القتل والمجازر، محلقا مثل طائر الفينيق.  

السابق
خطط أميركية لتأمين الأسلحة الكيميائية السورية
التالي
سقوط قذائف هاون في الجولان قرب باراك