هل صدّق أنان الاسد؟

لا يُمكن ان يكون المبعوث الاممي كوفي أنان جاداً عندما يعلن انه اتفق مع الرئيس السوري بشار الأسد على "طرح للحلّ سيناقشه مع المعارضة السورية"، كما انه ليس ساذجاً الى درجة ان يصدّق ان مضيفه وافق على خطته التي تقضي في النهاية بإقصائه وترحيله بهذه البساطة.

يدرك أنان انّ الرئيس الأسد لن يستسلم ولن يهادن، وانّ القتال لن يتوقف، وانّ المعارضة السورية التي تختلف في كل شيء وعلى كل شيء، لن تقبل أيّ حل او تسوية معه. لكنه
يَعي أيضاً انه يدير "مرحلة تقطيع الوقت" قبل ان تتحول العمليات الاستخباراتية الدائرة في سوريا وحولها بين اجهزة الناتو والأجهزة الروسية وإلايرانية الى عمليات تدخل عسكري واسع ومباشر.

ولا يَخفى على أنان انّ الديبلوماسية الروسية تتحرك انطلاقاً من قناعة تكوّنت لدى الكرملين انّ حظوظ بقاء الرئيس الأسد في منصبه لا تتعدى العشرة في المئة، وان موسكو ستجبر النظام على السير في تسوية بموجب اتفاق جنيف، وإلّا فإنّ طائرات الناتو ستتدخل بصواريخها فتكون الكارثة والفوضى.

وتكشف دوائر معنية في الكرملين ان الغرب يحاول إقناع موسكو في منح الرئيس الأسد لجوءاً في إطار تسوية للأزمة السورية، الّا ان القيادة الروسية ترى انه من السابق لأوانه الحديث في هذا الموضوع، وانه لا بد اولاً من ايجاد التسوية ليكون التنحّي نتيجة وليس شرطا للتفاوض.

ويميل الروس الى فكرة البحث مع رئيس بيلاروسيا لوكاشينكو في استضافة الرئيس السوري في بلاده بدلاً من موسكو اذا ما قرر الأسد التنحّي، وفق ما أعلنه عبر صحيفة "جمهوريت" التركية، او اذا تمّت التسوية وفق النموذج اليمني.

ويقول ديبلوماسي روسي شارك في اجتماعات جنيف الاخيرة في تقرير له انّ بلاده "ليست ضد المعارضة السورية، وإنما هي ضد التدخل العسكري الخارجي في سوريا"، وانّ "اتفاق جنيف يشكل موافقة روسية ضمنية على رحيل الأسد وفق خطة أنان الثانية للحل في سوريا".

ويدرك الكرملين ان الهدف المباشر للولايات المتحدة الأميركية، من زعزعة الوضع في سوريا وصولاً الى تغيير النظام، هو محاصرة إيران وتصحيح الخلل في ميزان القوى الذي يميل لمصلحة طهران في الشرق الأوسط. وتخشى موسكو من ترابط بين ما يجري في سوريا وبين تحركات أذربيجان على حدود إيران الشمالية.

واكثر ما يقلق الكرملين، من الناحية الجيوسياسية، هو ان تندفع الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد ذلك الى القوقاز وآسيا الوسطى، ما يعزّز قدراتها على الجبهة العسكرية الجنوبية لروسيا، ويقضي على آفاق إقامة "اتحاد اوراسيا".

وعلى رغم إصرار الغرب على عدم وجود نية للتدخل العسكري الخارجي في سوريا، الّا انّ تقارير، وآخرها لمركز دراسات "Global Research" في كندا، اشارت الى وجود فرق من وكالة الاستخبارات الاميركية (CIA) والبريطانية (MI6) داخل الاراضي السورية حيث يقيّمون الاوضاع، خصوصا انّ خطط تدخّل عسكري بقيادة الناتو أصبحت جاهزة للتنفيذ عند اتخاذ القرار السياسي.

وكشف التقرير انّ الناتو وتركيا والسعودية تناقش في هذه المرحلة "الشكل الذي سيتخذه التدخل"، وانّ الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا تزوّد الثوار السوريين بالسلاح واجهزة الاتصال المتطورة.

وتأتي المناورات العسكرية السورية في عرض للقوة التي تنتظر المهاجمين، لكي لا يحسبوا التدخل في سوريا سهلاً وبمثابة نزهة يمكن إتمامها سريعاً ومن دون خسائر.
الان أصبحت المواقف مكشوفة والنوايا معروفة، أمّا المفاجآت فما زالت مكتومة.  

السابق
أنان مبعوث روسي_إيراني؟!
التالي
السكوت من ذهب