قليل من الطب النفسي… لا يضر!

«هل تنوي ترشيح نفسك للانتخابات؟».. سؤال وجه إلى من بعض الأصدقاء والشخصيات التي أجلها وأحترمها، في تساؤل حول الهدف من تركيزي في كتاباتي على الشأن السياسي، في ما يشبه الاستنكار المهذب باعتبار كوني طبيبا، في ظل تصور يدفع بالأطباء للعطاء في مجالهم الفني حيث ينظر الكثيرون إلى المحصلة العلمية وسنوات الدراسة الطويلة في الطب على أنها شيء «حرام يضيع في معمعة السياسة»، كما قيل لي.
في الحقيقة، كان السؤال مباغتا ومفاجئا نوعا ما، فعلى الرغم من اهتمامي بالشأن العام، إلا أن فكرة الترشيح لمجلس الأمة لا تحتل الحيز الأكبر من تفكيري، الآن على الأقل، وذلك لوصولي لقناعة مفادها أن الطموح السياسي وإن كان مشروعا، إلا أنه أصبح هما وشغلا شاغلا للجميع، في تجاوز لكل فرص الإصلاح والبناء الموجودة في الكثير من مؤسسات الدولة، إن توفرت طبعا جملة من الأمور منها النوايا الطيبة والمخلصة مع ترتيب للأولويات، وتعاون مع المصلحين من أبناء هذا الوطن من جميع تشكيلاتهم الاجتماعية وغيرها.
هذا الاهتمام المفقود بالعمل على دوائر الإصلاح الأصغر، والإنطلاق منها للفضاء الأوسع من إصلاح السلطات ككل وبناء استراتيجية شاملة للدولة يكشف عن خلل عميق قد يكون مبررا، هذا الخلل يتعلق برؤيتنا واختزالنا للاصلاح بأنه عملية «تأتي من فوق»، وأن أي جهد للبناء من القاعدة للقمة هو جهد عقيم ما يلبث أن يتبخر مع أي تغيير في هرم مؤسسات الدولة، وأقول أن هذا الخلل قد يكون مبررا لأنه بالفعل تصور ناشئ عن تجربة مريرة في جميع مؤسسات الدولة التي يتم فيها نسف الكثير من الجهود الإصلاحية بـ «شخطة قلم» لهذا المسؤول أو ذاك، ومعظم هذه الشخطات أو الكثير منها لا يكون منطلقا من تصورات واضحة لتطوير أنظمة العمل وجودة الخدمة، بل للانتقام من هذا الطرف أو ذاك وفق عقلية تختزل موقع المسؤولية بشخص المسؤول الذي يتحول في ظل غياب قواعد واضحة من المحاسبة والمسؤولية إلى ما يشبه من «يتحكم في ورث أبيه»!
مبعث تساؤل ودهشة بعض الأصدقاء من عدم كتابتي في تخصصي هو في نوعية التخصص نفسه، وهو الطب النفسي، والذي يراه البعض مجالا مشوقا ومثيرا ويحتوي الكثير من المناطق والمواضيع الممتعة والمهمة والتي قد يجد فيها المختصون الكثير للكتابة عنه، وبالتالي تكوين قاعدة أكبر من القراء و.. «المريدين»!
وحقيقة، فإنني أعترف بالتقصير في الكتابة في مجالي، وأعد الأصدقاء بشيء من التطرق لقضايا الطب النفسي في مقالاتي في المستقبل القريب، لكنني بالفعل أخشى، ونظرا للكم الهائل من التركيز على السياسة في مجتمعنا، أن أبدأ بالطب النفسي، وأنتهي بالانحراف عنه وتسييسه، فمن حديث عن الاكتئاب إلى تطرق للإحباط في نفس المواطن الكويتي، ومن حوار عن القلق العام، إلى شرح لأسباب قلق المواطن الكويتي على مستقبله، وهلم جرا..!
شيء واحد أعدكم على الرغم من كل هذا ألا أتطرق له.. وهو تحليل شخصية سياسيينا في الكويت.. فهو ما عجزت عنه نظريات الطب النفسي.. كلها  

السابق
التدخّل الخارجيّ أو الاحتراب الأهليّ
التالي
عشائر العراق وتمجيد الخميني!