الإرهاب

لا يفاجئ في شيء خطاب الرئيس السوري الأخير، لا في شكله التعليمي والتكراري، ولا في مضمونه القتالي والاستئصالي.. ومرة جديدة، مخطئ من كان يتوقع غير ذلك، أو كان يفترض ولا يزال ان التركيبة الحاكمة في دمشق يمكن أن تتراخى أو تتنازل أو تتراجع حتى لو دُمّرت سوريا من أولها الى آخرها.
لكن تلك اليقينيات لا تلغي بعض التفاصيل الفجّة والاستثنائية التي وردت في ذلك الخطاب. وأهمها وأولها وصم صاحب السلطة الدمشقية كل الحراك المضاد له بالإرهاب وكل المتحركين ضده بالإرهابيين. وفي ذلك لم يسبقه أحد. لا "نظراؤه" العرب، ولا غيرهم من واشنطن الى تل أبيب!

لم يميّز الأسد بين الثائرين عليه، ولم يتصرف على أساس ذلك: كل هؤلاء ارهابيون.. ومناطقهم في جملتها خاضعة لقانونه الخاص بمكافحة الإرهاب! والعقاب الذي أنزله بها وبهم، سيستمر حتى لا يبقى حجر فوق حجر في سوريا!
فعلها (أو حاول) القذافي قبله ولكن على نطاق جغرافي وبشري أضيق، افترض ان بنغازي أول المطاف وآخره في الثورة عليه، وإذا دمّرها نجا برأسه وبسلطته.. مصطلحاته دخلت التاريخ لفرادتها لكنه مع ذلك، لم يستطع التجاسر الى حد وصم المعادين له بالإرهابيين. "رأى" ان مصطلح "الجرذان" كافٍ وافٍ وتحرّك على أساسه و"انتهى" عنده!

..انتفض الفلسطينيون في الضفة وغزّة مرتين كبيرتين في العقود الثلاثة الأخيرة، قارعوا الاحتلال وآلته ولصوصه ومستوطنيه على مدى أسابيع وأشهر مشهودة، لكن ولا مرة تجرأ لص إسرائيلي واحد على وصم كل المنتفضين بالإرهابيين!
وخاض الأميركيون حروباً بالجملة ضد أعداء لهم كثر، لكنهم في الإدانة التقنية لهؤلاء، لم يتجرأوا على وصم كتلهم البشرية العامة بالإرهاب.. هناك تقويم خاص تعتمده الإدارات المتعاقبة أيّاً كانت حزبيّتها تضع من خلاله لائحة بمن تعتقد انهم "يستحقون" صفة الإرهاب. لكن غير ذلك، لم نسمع مرة واحدة مثلاً توصيفاً شاملاً يطال مليون متظاهر في طهران! أو مليون شيعي في جنوب لبنان! أو مليون أفغاني في قندهار!

عند بشّار الأسد، لا حدود ولا فواصل ولا تميز: كل من تظاهر ضدّه وضد سلطته هو ارهابي. وكل منطقة خرجت تدعو إلى إسقاطه وتتحدى سلطته هي ارهابية. وكأن تلك المذّمة في عُرفه، كافية لأن يأخذ الغرب ما يفعله باعتباره تتمة لحرب ذلك الغرب ضد الإرهاب! وفي ذلك بؤس لا يُضاهى ويأس قتّال: الورقة الأخيرة التي يرميها لاستدراج كسر الحصار عليه، هي في اعتماد الإبادة والمجازر الجماعية الممنهجة ضد السوريين، ثم إدراج ذلك تحت خانة مكافحة الإرهاب!
إرهاب تام صاف ومكتمل المواصفات يتوّج به رأس السلطة الدمشقية مدوّنة إدانته التامة! فيما كلّ ظنّه، انه بسفكه دماء السوريين يشتري مصيراً غير ذلك المحتوم! غير منتبه الى انه يصعد السلم درجة درجة باتجاه تتويجه كإرهابي أول، وعزّ نظيره!  

السابق
سوريا ستحضر في لقاء أنان-كلينتون الجمعة
التالي
أبعد من مسألة العمالة