شُحنات السلاح بدأت الدخول عبر الحدود التركية

لم ينتظر كثير من الدوائر العربية والدولية نتائج التحقيق الذي أجرته السلطات السورية في مجزرة الحولة، والذي أعلن عنه أمس.
وقد أتت النتائج على شكل نماذج مكرّرة من تجارب سابقة أكّدت أنّ النظام لم يقدّر جيّداً ما هو آت من إجراءات ستطاوله في العمق ردّاً على إطلاق العنان لآلة التعذيب الممنهج في المدن والقرى السورية الثائرة.

هذا التحقيق "المحايد" الذي حمّل مسؤولية المجزرة إلى عصابات إرهابية، هدف إلى امتصاص الغضب الدولي، والتخفيف عن الإحراج الروسي، ولتعطيل دينامية تدخّل دولي باتت ملامحه تظهر مستوحيةً ما حصل في كوسوفو وليبيا.

وإذا كان يصحّ وصف ما حصل في الحولة بأنّه شكّل نقطة تحوُّل في مسار الأزمة السورية، فإنّ التحوّل الآخر الأكثر أهمّية بات يحصل على الأرض حيث تتقاطع المعلومات من الداخل السوري، لتشير إلى أنّه وعلى رغم احتفاظ النظام إلى الآن بتماسك بنيته العسكرية والأمنية، وعلى رغم أيضاً تعويض العتاد المستنزف طوال سنة وثلاثة أشهر بواسطة السلاح الروسي والإيراني، فإنّ النظام يبدو في وضعية متراجعة، تكاد توصف بأنّها بداية فقدان للمبادرة العسكرية والأمنية، ولا يعود السبب إلى اتّساع العمليات العسكرية إلى درجة عدم القدرة على توفير القوّة اللازمة لتغطية الأرض، بل يتّصل أيضاً بتمكّن المعارضة من تنظيم نفسها، وهي التي بدأت منذ أشهر تمارس حرب عصابات ضدّ جيش النظام، الذي بات من الصعب عليه الادّعاء أنّه قادر حتى على إعطاء مهلة زمنية لحسم المعركة.

هذا علماً بأنّ المهل السابقة التي وقع بعض حلفائه اللبنانيّين ضحايا لها، تحوّلت وعوداً وأمنيات بخوض مواجهة طويلة تغيب عنها لغة الحسم الواثقة.

ما حصل بعد معركة بابا عمرو على سبيل المثال، يصلح لرؤية الوضع الميداني في سوريا على حقيقته. فبعد سيطرة الجيش النظامي على هذا الحي، انكفأ المقاتلون إلى أحياء المدينة وامتنعوا عن التمركز في منطقة محدّدة، معتمدين تكتيك الاختفاء أمام قوّة عسكرية تفوقهم حجماً وعدداً، لكن هذا الاختفاء لم يمنعهم من الإمساك والسيطرة على كلّ مفاصل المدينة الكبيرة، وإجبار قوّات النظام على حصر سيطرتها حيث تتمركز قوّتها العسكرية، وهذا يعني غياب أيّ سلطة حقيقية للنظام خارج إطار التواجد العسكري المباشر، لجيش تحوّل ما يُشبه قوّة الاحتلال.

وفي إدلب حصل السيناريو نفسه، حيث أخلى المقاتلون المدينة تجنُّباً لتحولها بابا عمرو أخرى، وانتقلوا إلى أسلوب حرب المقاومة في المدينة والريف.

لم يكتفِ الجيش الحر والمقاتلون في وجه النظام بتغيير تكتيكاتهم القتالية، بل اتّبعوا ذلك بتأمين طرق مرور للسلاح ولحركة الانتقال من منطقة إلى أخرى معتمدين على معرفة الأرض واحتضان السكّان.

وتقول التقارير الواردة من سوريا إنّهم باتوا يتحرّكون بسهولة أكثر من السابق في مناطق حمص وحماه وإدلب وريفها وحلب (حيث حصل اختطاف اللبنانيّين) وريفها، وكلّها باتت فاقدة نسبيّاً لسيطرة النظام، شمالاً وصولاً إلى الحدود مع تركيا، حيث بدأت منذ أسابيع تدخل شحنات من السلاح النوعي للجيش الحر (خصوصاً الأسلحة المضادّة للدبابات)، وقد بات بحوزة المقاتلين منها الكثير، وهو الذي استُعمل لصدّ هجوم الجيش النظامي على الرستن، الذي فقد فيه عشرات الجنود وعدداً من الدبابات.

هذه المعادلة العسكرية التي يرتفع فيها احتمال أن يطول أمد الصراع، لن تكون لمصلحة النظام، فدخول شحنات السلاح عبر الحدود التركية غير المضبوطة، كما احتمال دخوله عبر الحدود الأردنية، يعطي الثورة المسلحة إمكانات الصمود، التي يمكن تطويرها لاحقاً إلى تقليص سيطرة الجيش النظامي إلى مستويات يصبح فيها غير قادر على التحرّك الآمن في المدن والبلدات، ما يمهّد لمراحل جديدة قد تواكب زيادة الضغط الدولي على النظام.

السابق
الاخبار: ظهور المخطوفين: اعتذار نصر الله قبل التفاوض
التالي
نصر الله هل يعتذر… لن يعتذر ؟!