المبادرة السعودية أبعد من الحكومة…

الوضع اللبناني الهش لم يعد مصدر توتر للبنانيين وحدهم، بقدر ما أصبح عامل قلق بالنسبة للأشقاء والأصدقاء، يزيد من حالة الإرباك والاستنزاف التي تعيشها المنطقة العربية، في هذه المرحلة المفصلية من تاريخها.
ما كان يخشاه الشقيق والصديق، وما حاول اللبناني تفاديه والابتعاد عن تداعيات الأزمة السورية، حصل فجأة، وبأيد لبنانية، وكاد يطيح بحالة الاستقرار المهزوز، وغير المستقر أصلاً.
من استفزاز الحركات الاسلامية في الفيحاء بالاعتقال الملتبس للشاب شادي المولوي، إلى اغتيال الشيخ أحمد عبد الواحد ومرافقه في عكار، إلى اختطاف الحجاج اللبنانيين في حلب، إلى الأحداث الأمنية بين احياء بيروت وضواحيها… سلسلة من التطورات المتلاحقة، قد لا يكون ثمة رابط بين حلقاتها دائماً، ولكنها كانت كافية لقرع ناقوس الخطر، بأن الوضع اللبناني يهتز بقوة، وهو قاب قوسين أو أدنى من هاوية الانزلاق إلى الانفجار الشامل، إذا لم تتسارع المعالجات السياسية لاحتواء تلك التطورات الأمنية الخطيرة.
وفيما كانت مشاعر اليأس والخيبة تؤجج تشاؤم الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، في ظل عجز حكومي ورسمي عن مواكبة تلك التطورات، وإرباك سياسي وحزبي بسبب حالة الاحتقان في الشارع، وغياب الحوار والتواصل بين جناحي 8 و14 آذار، جاءت مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز بدعوة الرئيس ميشال سليمان لقيادة الحوار الوطني، بمثابة خشبة إنقاذ لبلد يكاد شعبه يغرق في خلافات السياسيين الحزبية، والفئوية الضيقة!.

لقد اسْـتُقبلت دعوة خادم الحرمين الشريفين بترحيب وإجماع نادرين بين اللبنانيين، ليس على المستوى الشعبي وحسب، بل وأيضاً على مستوى القيادات السياسية والحزبية، التي وجدت بالمبادرة السعودية الجديدة منفذاً مهماً لشق طريق الحوار والتواصل بين الأطراف السياسية، وصولاً إلى صيغة إنقاذية، تُعيد التلاحم إلى الوفاق الوطني، وتطوي صفحة الانقسام والتباعد، وتحاصر رياح الفتن الأمنية والمذهبية، التي أطلت برأسها في الأسبوعين الماضيين، وكادت تشعل نيران الخلافات، حتى بين المؤسسة العسكرية الوطنية وقاعدتها البشرية في عكار.
لقد عبّرت مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز عن مدى القلق العربي عامة، وعن اهتمامه وحذره الشخصيين من مخاطر انزلاق الشقيق الأصغر إلى أتون الصراعات الساخنة حوله، وخاصة في سوريا، فجاءت دعوته للحوار الوطني بين اللبنانيين، بمثابة تحديد نقطة انطلاق جديدة لخريطة طريق تؤدي إلى تفاهم اللبنانيين على ضرورة تحصين جبهتهم الداخلية من أية تداعيات مفاجئة، داخلية كانت أم خارجية.

لقد عبّر بعض الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي عن قلقهم وخوفهم من التطورات الدراماتيكية اللبنانية الأخيرة، من خلال دعوة مواطنيهم لمغادرة لبنان، وعدم التوجه إليه في هذه الفترة بالذات، الأمر الذي زاد الدولة اللبنانية إرباكاً، وفاقم في الوقت نفسه من تشاؤم اللبنانيين من الحالة المتردية التي وصلت إليها أوضاع البلد، عشية موسم سياحة واصطياف، بات يُشكّل، ومنذ سنوات، الرافد الرئيسي للاقتصاد الوطني.
وفيما كانت الأنظار مشدودة نحو الرياض لمعرفة توجهات الخيار السعودي، بعد صدور القرارات الإماراتية والقطرية والبحرانية والكويتية بسحب الرعايا من لبنان.
في هذا الوقت بالذات، جاءت دعوة العاهل السعودي للحوار بين اللبنانيين لترسم، بكثير من الحكمة والرؤية الاستراتيجية، طريق الخلاص الوحيد للبنانيين للخروج من دوّامة الخلافات والانقسامات التي فتكت بالبلد في السنوات الأخيرة، والتي وضعت البلاد والعباد على فوهة بركان قابل للانفجار وقذف الحمم الطائفية والمذهبية في أي وقت!.
فهل تستفيد القيادات السياسية هذه المرة من فرصة الدعم السعودي الشقيق، ومن مساندة الأشقاء والأصدقاء، في اعتماد الحوار سبيلاً أساسياً، بل وحيداً، لمعالجة الخلافات السياسية؟.

الأزمة السياسية في البلد لا تتوقف عند عقدة الحكومة.
قد يكون التغيير الحكومي أحد بنود الحل، ولكنه قطعاً ليس هو وحده الحل، لأن الأزمة الراهنة هي نتيجة تراكمات، بعضها يعود إلى المرحلة السورية، وبعضها الآخر إلى الخلل الحاصل في المعادلة الداخلية بسبب السلاح، فضلاً عن التفاعلات السلبية الأخرى الناتجة عن عدم تطبيق بنود رئيسية في اتفاق الطائف.
الحكومة الحالية تشكّل مشهد نشاز في مرحلة ما بعد الطائف، لأنها خرجت عن قواعد الوفاق والائتلاف، وتشكلت من لون سياسي واحد، بعدما استبعدت أكثرية نيابية سابقة من صفوفها.
ولكن ماذا ينفع تغيير الحكومة إذا لم يتم التوصّل إلى تفاهمات بشأن الملفات الرئيسية: السلاح، قانون الانتخابات، اللامركزية الإدارية، قوننة الإنفاق المالي، المشاريع والقوانين المتخذة في حكومة السنيورة الأولى والنائمة في أدراج مجلس النواب، العلاقة مع المحكمة الدولية، تشكيل مجلس الشيوخ… إلى آخر الملفات التي يُشكّل كل واحد منها لغماً تفجيرياً من العيار الثقيل، الذي لا تستطيع التركيبات الوزارية الهشة الصمود أمامه.

بقيت كلمة برسم الحالمين بكرسي بعبدا..!.
لقد أعادت دعوة الملك عبد الله الاعتبار والاحترام لمكانة رئاسة الجمهورية، كما كرّست الدور الوطني الجامع للرئيس التوافقي، الوحيد القادر على قيادة الحوار بين فسيفساء التركيبة السياسية الحالية.
فهل يحتاج العماد ميشال سليمان بعد الآن، إلى شهادة من ناقص…؟!!.  

السابق
تدخل قطري_أميركي عرقل إطلاق المخطوفين
التالي
الخوف من الجيش..الخوف على الجيش