عيدُ لبنانَ المنتصر

الخامس والعشرون من أيار ليس ذكرى بالنسبة إلينا. إنه عيد وطني مشرّف، عيد الدولة والمجتمع والوطن، عيد الشعب والجيش والمقاومة، عيد الجباه العالية والحق المشروع والكرامة الموفورة، عيد لبنان المنتصر على ذهنية الضعف وثقافة الهزيمة.
لم يكن تحرير الأرض نزهة ولا كان ممكناً في الأصل لولا الإرادة المصممة والعزيمة الفولاذية والتضحيات الجسام. لذلك تم طَرْد الغازي «الإسرائيلي» عام 2000 من معظم التراب المحتل في الجنوب اللبناني، بعد سنوات من الاحتلال الرابض على صدر الأرض الحبيبة من الشاطئ إلى العرقوب فالبقاع الغربي وراشيا. أما مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء السليب من قرية الغجر فإن لها مع الفجر مواعيد وإنها لقريبة.

لقد كشف انتصار أيار عام 2000 أصالة الإنسان في بلادنا، كما كشف وعيه وعطاءه وقدراته، خصوصاً بعد انقضاء حقبة من التربية على التسليم لآلة العدو القاهرة، وعلى التكيف بل القبول المهين للأمر المفعول ومنطق التيئيس الذي طالما روّج له العدوّ وتلقّفه بعض الداخل، مرة باسم الواقعية وأخرى بعناوين تراجعية انكفائية هجينة.
صحيح أن بعض الشعوب، في لحظة التجربة، تهرب من التاريخ وبالتالي من نفسها… تعلل أفشالها بالمبررات المتوافرة، لكن الأهم من التبرير امتلاك إرادة النجاح والتخطيط الرؤيوي لفعل الانتصار. وهذا ما حصل للبنان في التجربة ولحظاتها الأكثر حراجة ودقة. إن ميلاد شعبنا في لبنان، ميلاد اللبنانيين هو في أن يولدوا من جديد بعد أن ولدتهم أمهاتهم أحراراً، وحاول استعبادهم عدوٌّ غاشم. وإذا كانت أمةٌ ما في خسارة أو محنة فتراثها قبل غدها في امتحان. إنها مضطرة إلى فحصه. وهذا بدء الخروج من الكبوة للغد الأفضل… هذا بالضبط ما حصل للبنان حين انتقل من الاستكانة إلى المقاومة، ومن زمن الانهزام إلى زمن الانتصارات.

لم يكن كل ذلك ليحصل لولا القرار التاريخي الكبير الذي اتخذه شعبنا بالمقاومة، وتنكّبَتْ ذلك القرار الاستراتيجي قياداتٌ نهضَتْ من الشعب، من صميمه وجذوره ووجدانه وأصالته، فكان التحول النوعي وكانت ملحمة الانتصار. على أن التحرير الكامل لم يحصل بعد، وكذلك النصر الفاصل. فثمة أرض عزيزة قيمتها ليست بالأمتار بل بالحق، بالعزة، بالكرامة والرأس المرفوع… ثمة احتلال مقنع أوقعت ألغامه عدداً غير قليل من الشهداء والجرحى والمعوقين… ثمة طائرات وسفن تعربد. ثمة جنود يخترقون السيادة، ولا كمال للانتصار سوى بالسيادة الكاملة والتحرير الكامل.

ان المقاومة لم تكن يوماً قصيدة مرتجلة، ولا شعاراً أو تمنّيات. كانت بحراً من العطاءات والتضحيات والفضائل. كانت المقاومة ولا تزال قيمة من الحرية والواجب، بل روحية نضالية نبيلة تستحق من شعبنا كله أعلى درجات التأييد والدعم والحماية: بالقلب والساعد والموقف، بالرأي، بالكلمة، بالفعل التغييري البطولي الذي ينصر الحق ويزهق الباطل… إن المقاومة عاملُ قوةٍ ورافدُ وحدةٍ وتآزرٍ وتراصٍّ. ولعل أقوى ما في مقاومة شعبنا أن لها حواضن وطنية وقومية وإقليمية، بل إنها حالة عمودية لا أفقية، قائمة على توازن الردع في معادلة الجيش والشعب والمقاومة.

تحية للمقاومة الباسلة وللمقاومين البواسل. تحية لشهدائها وجرحاها المعطائين: لدمائهم والأرواح، حياتهم والوجود، عمرهم وزهر الشباب… تحية للأبطال الأحياء، المرابطين على الثغور وفي الخنادق، لأنها ثغور البطولة الأبلغ من الكلام، وخنادق الدفاع عن شرفهم وشرف مواطنيهم في مهمة رسولية لا يحملها إلا الأخيار الأبرار الأحرار.
 

السابق
نظرة ميقاتية للجيش
التالي
اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعيد زوجين ورفات لبناني من إسرائيل