النهار: الشمال المحتقن يوزّع المخاوف داخلياً وخارجياً والمضاعفات انتقلت إلى دار الفتوى وبيروت

مع ان مشهد التشييع الحاشد الذي أقيم في بلدة البيرة العكارية للشيخ احمد عبد الواحد اختصر بنبرة احتقاناته العالية وبالظهور المسلح الكثيف الذي تخلله الواقع المأزوم الذي يظلل لبنان كلاً، فإن ذلك لم يحجب ايضاً الاطلالات الدولية بعد العربية على الازمة الناشئة بما زاد المخاوف من الانزلاق تدريجاً نحو زعزعة الاستقرار ما لم يستدرك هذا الخطر بمبادرات سياسية عاجلة.
فعلى نحو يستعيد مشارف الازمات الكبرى في حقب سابقة، بدأت الدول الكبرى دق اجراس الانذار حيال التطورات اللبنانية الناشئة، وقت انضمت الكويت الى ثلاث دول خليجية في دعوة رعاياها الى عدم التوجه الى لبنان ومطالبة المقيمين منهم فيه بمغادرته.
وأعربت الادارة الاميركية بلسان الناطق باسم وزارة الخارجية مارك تونر عن "قلقها" من الوضع الامني في لبنان بعد مقتل رجلي دين سنيين وتسجيل اعمال عنف بين مجموعات مؤيدة للنظام السوري وأخرى مناهضة له. فيما رحب الناطق بقرار السلطات اللبنانية التحقيق في الحادث ودعا جميع الاطراف الى ضبط النفس.
كذلك أبدت وزارة الخارجية الفرنسية أسفها لمقتل رجلي دين الاحد في شمال لبنان ونددت بالاشتباكات التي حصلت في بيروت. ودعا الناطق باسم الوزارة برنار فاليرو "جميع الاطراف الى رفض الاستفزازات" قائلاً إن "وحده الحوار سيتيح تهدئة التوترات".
واعتبرت الخارجية الروسية ايضاً ان التوارات الداخلية المتنامية في لبنان تزيد مخاوف خطيرة في موسكو. وقالت "ان القوى التي فشلت حتى الآن في تنفيذ الخطط التي تهدف الى زعزعة الموقف في سوريا تحول انتباهها الآن الى لبنان المجاور. وحضت السياسيين اللبنانيين على ممارسة ضبط النفس واظهر مسؤولية وطنية عالية في الوقت الحساس الذي تمر به البلاد والمنطقة.
وفي نيويورك ("النهار") عبّر الامين العام للامم المتحدة عن "قلقه" من التوتر الذي شهده لبنان في الآونة الاخيرة، داعياً جميع اللبنانيين الى"بذل كل الجهود لاستعادة الهدوء".
وقال الناطق باسم الامم المتحدة في بيان ان الامين العام "قلق من التوترات في لبنان في الايام الاخيرة ويدعو كل الاطراف الى بذل كل الجهود لاستعادة الهدوء". وأسف للخسائر في الارواح وعبر عن تعازيه لذوي الذين توفوا. واضاف ان المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي "موجود على الارض لتشجيع كل المعنيين على العمل من اجل التهدئة والاستقرار الدائمين في البلاد". وشدد على "ضرورة استمرار الاستقرار في لبنان"، مشجعاً "كل الاطراف اللبنانيين على تعزيز جهودهم للتغلّب على اي تحديات قد تظهر على الارض".

عكار
في غضون ذلك، أبرزت وقائع اليوم التالي لحادث مقتل الشيخ عبد الواحد ورفيقه محمد حسين مرعب في الكويخات تداخل التعقيدات الأمنية والسياسية التي تشهدها البلاد على خلفية احتقانات مذهبية يخشى معها تقلّص القدرة الرسمية تدريجاً عن ضبطها.
واعترفت مصادر وزارية مطلعة بهذا "الخطر" في ضوء ما شهدته عكار عموماً امس في يوم تشييع عبد الواحد ورفيقه اذ قالت لـ"النهار" ان الدولة بدت الغائب الاكبر قسراً عما جرى، في حين ابرز التشييع دلالات يفترض ان يبنى عليها بسرعة لاحتواء الموقف. واضافت ان ما جرى امس بدا بمثابة ردة فعل مزمنة لدى فئة كبيرة ومعروفة على مجموعة احتقانات بدءاً من محطة 7 ايار 2008 وصولا الى أحداث طرابلس وعكار الاخيرة، تثبيتا لرفض هذه الفئة أي محطة مماثلة ومحتملة من أي جهة أتت. لكنها اشارت الى ان الايام المقبلة مرشحة لاعادة احتواء هذا المشهد، خصوصا ان القيادات الوازنة وفي مقدمها "تيار المستقبل" تشدد على موقفها الرافض لاستهداف الجيش وحصر معالجة ما جرى بمحاكمة الضباط والعسكريين المسؤولين عن الحادث خارج اطار التجاذب السياسي.

السنيورة
وفي هذا السياق شكلت المجريات التي رافقت انعقاد المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى ومجلس المفتين أمس في دار الفتوى مؤشرا لعمق التفاعلات السياسية لحادث الكويخات على مستوى القيادات الدينية والسياسية للطائفة السنية. وقد شهد هذا الاجتماع غياب الرئيس فؤاد السنيورة عنه لرفضه مسودة بيان وضعت للاجتماع. وأوضحت اوساط السنيورة لـ"النهار" انه لدى طرح المسودة عليه قبل الاجتماع رفض مناقشتها باعتبار أنها تقارب الاوضاع بشكل عام ولا تتخذ موقفا منها وأبلغ مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي اعتذاره عن المشاركة باعتبار أن لا جدوى من ذلك ما لم يكن ثمة قرار واضح يصدر عن المجتمعين ويكون على مستوى التطورات، واشترط للموافقة على بيان المجتمعين ان يتضمن بندين يتعلقان بتحميل السلطة السياسية مسؤوليتها عما يحدث واستنكار رسالة المندوب السوري في الامم المتحدة بشار الجعفري الى الامين العام للأمم المتحدة. وقد صدر البيان فعلا متضمنا هذين البندين، اذ شدد على أن "الاجهزة الامنية يجب أن تعمل تحت اشراف السلطة السياسية التي يجب ان تحاسب وتضبط الخلل الذي يبدو أنه استفحل وأدى الى ما حصل في طرابلس وعكار". كما اعتبر ان ما جاء في رسالة الجعفري "مرفوض ومستنكر جملة وتفصيلا".

نواب بيروت
ولم تقف حلقة التجاذب عند هذه الحدود، بل انتقلت الى قضية الاشتباكات التي شهدتها بعض مناطق بيروت ولا سيما منها الطريق الجديدة منذ مساء الاحد حتى فجر الاثنين.
وعقد نواب بيروت اجتماعا لهذه الغاية خلصوا بعده الى تحميل حكومة الرئيس ميقاتي "المسؤولية الكاملة عن كل ما تعرضت له" هذه المناطق "من محاولات لاشعال الفتنة والاخلال بالوضع الامني وكل ما حصل من قبل في طرابلس وعكار كونها غابت عن القيام بمسؤولياتها الحكومية". واتهموا الحكومة
بتغطية تحركات الجهات الميليشيوية التابعة لأجهزة المخابرات السورية وتوابعها" وطالبوا رئيس الحكومة بالاستقالة.
ورد ميقاتي في بيان لمكتبه الاعلامي على هذا الموقف بأن مطلب استقالة الحكومة "بات لازمة مرادفة لكل بيانات نواب المستقبل وتصريحاتهم ويعكس رغبة دفينة في استرداد ما اعتبروه حقا مكتسبا لا يحق لأحد أن ينتزعه منهم". وإذ اشار الى ان "الواجب الذي حتم عليه قبول المسؤولية يملي عليه اليوم ايضا الاستمرار في تحملها"، اتهم "بعض كتلة المستقبل بالتحدث بلغتين ولسانين".
وعلمت "النهار" ان ميقاتي قرر الغاء زيارته الرسمية التي كانت مقررة لاسبانيا في موعد قريب من أجل متابعة الاوضاع.

14 آذار
الى ذلك، كشفت مصادر في قوى 14 آذار لـ"النهار" ان اتصالات أجريت بين قيادات هذه القوى منذ تفجر الاحداث الاخيرة وقررت بنتيجتها عقد اجتماع استثنائي في الايام القريبة من أجل اطلاق موقف مطلبي محدد "يضع حدا لخضوع السلطة لاملاءات النظام السوري ولا يكتفي باطلاق مواقف على ما كانت الامور تجري سابقا". وسيشارك في الاجتماع الاستثنائي رؤساء الاحزاب والكتل والنواب وعدد من الشخصيات. وعقد اجتماع طويل في سياق الاعداد لهذا الاجتماع بين رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، ومنسق الامانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد في معراب ليل أمس. وأجريت اتصالات لهذه الغاية مع حزب الكتائب، كما ستستكمل مع الاحزاب والشخصيات المعنية بالاجتماع في الساعات المقبلة.

ملف مولوي
على صعيد آخر، من المقرر ان يعقد قاضي التحقيق العسكري نبيل وهبي اليوم جلسة استماع جديدة في ملف الموقوف شادي مولوي وآخرين، لاستكمال التحقيق. وعلم ان وكيل مولوي محمد حافظة سيقدم طلبا جديدا لتخلية موكله خلال الجلسة اليوم. وفيما ترجح أوساط طرابلسية تخلية مولوي اليوم لعدم ثبوت أي اتهام ملموس في حقه، أبدت مصادر أمنية معنية بالملف لـ"النهار" تخوفها مما وصفته بتسييس الملف واعتبرت ان مضمون الملف مليء بمعطيات عدة ولا أساس لكل ما تعلنه عائلة مولوي وعدد من النواب والافرقاء السياسيين. وقالت ان ثمة عناصر ثابتة ظهرت في التحقيق تؤكد الدوافع التي أملت توقيفه، وملفه بات في عهدة القضاء وهو صاحب الكلمة الفصل في هذا الخصوص.

السابق
أمر الأسد أو مؤامرة غليون لاند؟؟
التالي
خرافة فلتان الشارع