الراي: هدنة طرابلس تسقط واشتباكات توقع قتلى وجرحى

تلقي الاحداث في سورية بثقلها على المشهدين الامني والسياسي في لبنان. من طرابلس، عاصمة الشمال المترنحة في رحاب «هدنة هشة» بين عاصفتين، الى الاعالي على الحدود الشرقية التي تضج بعمليات متبادلة من الخطف وإطلاق النار بين لبنانيين مؤيدين للنظام السوري وسوريين من المعارضة، مروراً مع «طوفان» الكلام المفاجئ عن خلايا «اصولية» تعد لاغتيالات وتفجيرات كان رأس «جبل الجليد» فيها الرواية الملتبسة عن علاقة الشاب السلفي شادي المولوي بتنظيم «القاعدة»، وهو الذي اعتقله جهاز «الأمن العام» اللبناني في طرابلس يوم السبت الماضي.
ولم يقل التشنج السياسي الناجم عن «العصف السوري» وطأة عن الاهتزازات الامنية الخطرة، فالحكومة شبه المشلولة، لاشتداد «تصفية الحساب» مع مكوناتها الوسطية (رئيسا الجمهورية ميشال سليمان والحكومة نجيب ميقاتي والنائب وليد جنبلاط)، تحولت عبئاً على المؤسسات بعدما عجزت عن تأمين الانفاق المالي، والحياة السياسية اسيرة معارك قاسية تعبر عن جوانب منها الهجمات التي يشنها زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون كـ «رأس حربة» للتحالف الذي يقوده «حزب الله»، ضد الثلاثي سليمان ـ ميقاتي ـ جنبلاط ومعهم «14 آذار».
هذه التوترات الامنية والسياسية المتعاظمة بدت وكأنها على صلة بـ «هجوم معاكس» يشنّه النظام السوري والقوى اللبنانية الحليفة له، وهو ما ادركته سريعاً المعارضة (14 آذار) ان احداث طرابلس الاخيرة مجرد «فخ» بأدوات مختلفة للنيل من المناطق «المناهضة» للنظام السوري، ولإرباك «تيار المستقبل» بزعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في عقر داره، حيث حقق حلفاء سورية فوزاً بـ «النقاط» باستدراج طرابلس الى الوضع المتفجر، الذي استمرت شظاياه بالتطاير امس موقعة المزيد من الضحايا.
ولفتت اوساط بارزة في قوى «14 آذار» الى الشكوك العربية والأوروبية في رواية أجهزة امنية وشخصيات سياسية عن وجود خلايا لـ «القاعدة» في لبنان، مشيرة الى ان هذه السيمفونية التي لطالما عزف على وترها النظام السوري، لا تعدو كونها محاولة لحرف الانظار عن مكامن الخطر الحقيقي الذي يواجهه لبنان، خصوصاً في ضوء النفي المتكرر لوزير الداخلية مروان شربل لوجود اي نشاط لـ «القاعدة»، وهو ما اكده امس من طرابلس التي زارها وترأس اجتماعاً لـ «مجلس الأمن» الفرعي فيها. واكد الوزير تعليقاً على توقيف شادي المولوي ان لا وجود لتنظيم «القاعدة» في لبنان بل يوجد اشخاص يحبون «القاعدة» وفكرها، معتبراً انه «لو كان شادي المولوي ليس عليه اي شائبة، لكان اخلي سبيله، وانا لا اعرف التفاصيل فالملف بيد القضاء».
وفي الوقت الذي كان مجلس الوزراء منعقداً وعلى طاولته ملف طرابلس الذي نوقش على مدى نحو ثلاث ساعات، عاد الوضع في عاصمة الشمال الى دائرة السخونة مع سقوط الهدنة بعد الظهر حيث تجددت الاشتباكات بين جبل محسن وباب التبانة فيما تعرّضت دورية للجيش لاطلاق نار في النقطة الفاصلة بين المنطقتين ما ادى الى اصابة عنصر من فوج المغاوير (النخبة) بجروح خطرة اضافة الى جرح عسكريين آخرين.
وفي حين اشارت تقارير الى ان الاشتباكات ادت الى مقتل شخصين وجرح العشرات عُرف منهم بلال وهلال ضباب، خالد حسن، ابراهيم المصطفى، خالد حسين، ابراهيم تركماني، تحدثت معلومات عن مقتل المواطن مظهر المصول (70 عاما) الذي قضى صدما بسيارة اثناء هروبه من الاشتباكات. علماً ان الصباح كان شهد وفاة الموظف في بلدية طرابلس فاروق حمود الذي كان أصيب خلال الاشتباكات، لينضمّ الى الضحايا العشرة الذين سقطوا منذ السبت (من دون احتساب قتلى يوم امس).
ومنذ قرابة الثالثة بعد الظهر بدأت التقارير تتوالى عن قيام مسلحين من داخل سيارة باطلاق النار عشوائيا في شارع المئتين – ساحة عبد الحميد كرامي، قبل ان تتمدد الاشتباكات في طرابلس إلى أحياء البقار وسوق الخضار والزاهريّة وستاركو وبعل الدرويش ليقطع بعدها شبان من باب التبانة الطرق خوفا من رصاص القنص الذين قالوا انه موجّه إليهم من جبل محسن التي تردد ان الجيش اللبناني كان عصراً في صدد مداهمتها.
وخلال اجتماع مجلس الوزراء، نوّه رئيس الجمهورية ميشال سليمان بـ «خطوة الجيش والقوى الامنية بالانتشار في طرابلس واصرّ على ضبط عملية تهريب السلاح عبر الحدود»، مُشيرا إلى أنَّ «المجلس الاعلى للدفاع طلب ارسال 200 دركي إلى عاصمة الشمال لمؤازرة الجيش». كما أكَّد «متابعة التحقيقات في قضية المولوين معتبراً أنَّ «الأمن العام قام بواجباته ولم يخطئ واذا كان هناك خطأ في الاسلوب فهذا لا يعني اطلاق سراح الموقوف».
ولفت الرئيس نجيب ميقاتي إلى أنَّ «الامور هدأت في طرابلس»، متداركاً أنَّه «ليس مطمئناً لأنَّ هناك أفرقاء كثر يريدون صب الزيت على النار». ووسط «التوجس» من خلفيات تجدُّد المواجهات في طرابلس، تفاعلت في بيروت التقارير عن أن توقيف المولوي لم يكن سوى رأس جبل الجليد، في ما يتعلق بالمعطيات الموجودة لدى الجهات المختصة حول تحركات بعض الخلايا والمجموعات المتطرفة في لبنان.
وفي هذا السياق نُقل عن مراجع واسعة الاطلاع إن هناك دولاً أبلغت الجهات المعنية في بيروت بهذه المعلومات، وفحواها أن مجموعة ارهابية تتبع لتنظيم متطرف دخلت اخيراً الى لبنان للقيام بعمليات تخريبية، من بينها تنفيذ عمليات اغتيال لعدد من الشخصيات اللبنانية البارزة، بناء على لائحة أهداف محددة، تضمّ رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان قد تلقى في السابق مؤشرات مشابهة.
وقد لفتت دعوة الرئيس بري امس «الى المتابعة واليقظة» بعد الاعلان عن لائحة استهداف عدد من القيادات والشخصيات السياسية من جهات متطرفة، معتبراً ان هذه اللائحة « جدية وخطيرة».
وفي موازاة ذلك، ارتفعت الحماوة السياسي داخل مكونات الحكومة، مع الهجوم الذي شنّه العماد عون على «ثلاثي التعطيل» اي الرئيسين سليمان وميقاتي، الذي اعلن ترشحه للانتخابات النيابية، وجنبلاط، ما اعتُبر مؤشراً الى مزيد من التفسخات داخل الحكومة.
وقد اعلن عون أن «ما يحدث بينه وبين سليمان ليس سجالا، بل هم أدخلوا البلاد في مسار تخريبي». وقال: «سليمان لا يريد حواراً و(معند) ولا يشبع، يريد أن يأخذ ويأكل».
وعن إمكان اسقاط النائب جنبلاط للحكومة في مجلس النواب، قال عون: «يمكن ان تكون التعليمات له ليس الآن، قد تكون في سبتمبر مثلا»، محذراً من ان «تعطيل المؤسسات سينتج فوضى، وسيكون عندها لدى جنبلاط سبب لينسحب او لميقاتي ان يستقيل».

السابق
الشرق الأوسط: إعدامات ميدانية في حمص والجيش الحر يقدم الحماية للمراقبين قلق دولي على سلامة المراقبين
التالي
الحكومة الفلسطينية الجديدة تؤدي اليمين وحماس تتهم عباس بتجاوز الاتفاقيات