الحياة: 3 قتلى وأكثر من 20 جريحاً في طرابلس وميقاتي ضد تغطية المخلّين وأسلوب الأمن العام

خيم التوتر أمس على أجواء طرابلس التي شهدت اشتباكات مسلحة امتدت منذ مساء أول من أمس حتى نهار أمس موقعة ثلاثة قتلى بينهم عسكري من الجيش اللبناني إضافة إلى أكثر من 20 جريحاً، وكانت انطلقت شرارتها مع إطلاق نار على اعتصام نفذته تنظيمات إسلامية وأبناء من المدينة على خلفية توقيف شادي المولوي المنتمي إلى تنظيم سلفي في شمال لبنان على أيدي عناصر من الأمن العام استدرجوه بطريقة أثارت استنكاراً عاماً، إلى مكتب الخدمات الاجتماعية التابع لوزير المال نائب المدينة محمد الصفدي حيث أوقفوه.

وروت مصادر متابعة للتطورات في طرابلس تفاصيل وخلفية ما جرى أول من أمس، وفيها أن شخصاً أردنياً يدعى عبدالملك محمد يوسف عثمان عبدالسلام كان يقيم في طهران وأبعدته السلطات الإيرانية منها إلى سورية (لم يعرف ما إذا تم التحقيق معه هناك)، دخل إلى لبنان أخيراً، وأوقفه الأمن العام بينما كان في طريقه إلى المطار، وأنه اعترف أثناء التحقيق معه بأنه من عناصر تنظيم «القاعدة» ويعمل في المجال اللوجيستي (اسمه كان مدرجاً على السجلات في المطار وإلى جانبه أنه يلزم حين توقيفه مراجعة فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي في شأنه)، وقال إنه يتلقى أموالاً من أشخاص في قطر والسعودية والكويت والإمارات، وأورد في هذا السياق اسم شيخ قطري من آل عطية كان خضع لعملية زرع كلية في لبنان قبل أسابيع ويمضي فـترة نقاهة في فنـدق «حبتور» حيث يقيم في جناح معقّم مراعاة لوضعــــه الصحي. وأشارت المعلومات إلى أن أحـد الأجهزة الأمنية اللبنانية أوقف الشيخ القطري بناء على إشارة النيابــة العامة ونقله إلى مستشفى «الحياة» حيث فرضت عليه حراسة أمنية مشددة، وخضع للتحقيق بتهمة تمويل الثورة السورية، وذلك بعد اعتـــراف الموقوف الأردني الذي ضبط في حوزته 20 ألف دولار أميركي، بأن الشيخ القطري أعطاه أموالاً.

وتبين نتيجة التحقيق مع عبدالسلام أنه يجري اتصالات بجهات في أفغانستان، إذ كشف المحققون أرقاماً لأشخاص يتصل بهم في أفغانستان وبينهم لبنانيون، كما تبين أن شادي المولوي يتواصل هاتفياً مع أحد أولئك الأشخاص في أفغانستان.

وفي الوقت السابق لتوقيفه تلقى المولوي، (علمت «الحياة» أن ابنته الرضيعة تخضع للعلاج في مستشفى في الشمال وأنه لم يسدد تكاليف علاجها بسبب وضعه الاقتصادي المتردي)، اتصالاً من مجهول يخبره بأن شيكاً باسمه موجود في مكتب الخدمات الاجتماعية التابع للصفدي وأن عليه التوجه إلى المركز للحصول عليه، ولما وصل إلى المركز كان عناصر من الأمن العام في انتظاره فاقتادوه من المكتب، ما تسبب بحركة احتجاج واسعة على الطريقة التي تم بها استدراجه. وعلى الأثر قام عناصر من تنظيمات إسلامية بالاعتصام في ساحة عبدالحميد كرامي مطالبين بإطلاق المولوي، كما قطعوا الطرق الرئيسة في طرابلس مستخدمين إطارات مطاطية مشتعلة. غير أن الأمور اتخذت منحى تصعيدياً مع مقتل الشاب عيسى علي نتيجة سقوط قذيفة «إينرغا» على حي البقار في القبة، ما أدى إلى اندلاع اشتبكات مسلحة بين منطقتي باب التبانة وجبل محسن استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية فسقط كل من محمد الدهيبي (18 سنة) الذي وجد على جانب الطريق على المدخل الشمالي للمدينة مضرجاً بدمائه، وعنصر من الجيش اللبناني قضى قنصاً خلال وجوده في سيارته عند مستديرة الملولة.».
متابعة سياسية

وأعلنت قيادة الجيش اللبناني – مديرية التوجيه في بيان لها أمس، أنه «على أثر الاشتباكات التي حصلت فجراً بين عناصر مسلحة في منطقة التبانة – جبل محسن وأدت إلى إصابة عدد من المواطنين، اتخذت وحدات الجيش المنتشرة في المنطقة تدابير أمنية مشددة بما في ذلك تسيير دوريات مؤللة وإقامة حواجز مكثفة. واستشهد أحد العسكريين في محلة الملولة نتيجة تبادل إطلاق النار بين المسلحين، وذلك أثناء انتقاله من مركز عمله في البقاع إلى بلدته في عكار»، وأضاف البيان أن وحدات الجيش «تستمر في تعزيز إجراءاتها الأمنية وتعقب المسلحين لإعادة الوضع إلى طبيعته بصورة تامة، وتؤكد هذه القيادة أنها ستتعامل بكل حزم وقوة مع العابثين بأمن المدينة واستقرارها إلى أي جهة انتموا».

كما أعلنت في بيان آخر أنَّه «أثناء قيام دورية من الجيش بفتح الطريق الرئيسي بين محلتي باب التبانة وجبل محسن، تعرضت لإطلاق نار من قبل عناصر مسلحة ما أدى إلى جرح عسكريين اثنين، وإصابة بعض الآليات بطلقات نارية. وردت قوى الجيش على مصادر النيران بالمثل، وهي تعمل على معالجة الوضع وملاحقة الفاعلين».

واستاثرت التطورات في طرابلس باهتمام السياسيين والمرجعيات طيلة يوم أمس، إذ تابع الرئيس اللبناني ميشال سليمان التطورات مع المعنيين ومع قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، ودعا إلى اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع عصراً. في حين قطع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي احتفالاً كان يشارك فيه في بيروت وتوجه إلى طرابلس حيث عقد في منزله اجتماعاً شارك فيه مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار والوزيران أحمد وفيصل كرامي وأحمد الصفدي ممثل الوزير محمد الصفدي الموجود في الرياض ومسؤول مخابرات الجيش في الشمال العميد عامر الحسن. وقال ميقاتي بعد الاجتماع إنه عقد اجتماعات عدة وأجرى اتصالات بالنائبين محمد كبارة وسمير الجسر، و «كنا متفقين على أن أمن طرابلس خط أحمر، وطلبنا من القادة العسكريين والأمنيين القيام بواجبهم كاملاً». وتابع: «نتيجة لما سمعناه من تفهم من المرجعيات الدينية والروحية، وفي حضور المفتي الشعار الذي كانت له اليد الأساسية في هذا الموضوع لكي ننشر فكرة التسامح وعدم الانجرار إلى الشارع. لعبة الشارع خطرة وذات حدين ويمكن أن تنقلب على الآخرين وعلى أمن البلد بكل معنى الكلمة»، وزاد: «كلنا سندعم القوى الأمنية والعسكرية في كل الإجراءات التي ستتخذها، وأؤكد أن لا غطاء سياسياً لأي مخلٍّ بالأمن، وهذا ما اتفقنا عليه مع كل القوى السياسية، وستتخذ إجراءات مهمة في الساعات المقبلة وسأتوجه إلى اجتماع المجلس الأعلى للدفاع لأنقل وجهة النظر هذه، وأعطي التوجه لكل القادة الأمنيين والعسكريين الذين سنجتمع معهم. كما سألتقي وزير العدل لأن لدينا نقاطاً كثيرة متعلقة بالقضاء، ونحن كسلطة سياسية نتحاشى الدخول في عمل القضاء والضغط عليه، ولكن نريد أن نفهم أين أصبحت بعض الملفات، وهل توجد تهم حقيقية، وأين أصبح التحقيق، وأين أصبح مسار القضاء لكي تكون الحقيقة والعدالة أساس الحكم، وسنثير أيضاً قضية الموقوفين الإسلاميين».

ورداً على سؤال، أكد ميقاتي أن طريقة توقيف المولوي «مرفوضة ومستنكرة، وسيكون لنا رأي في هذا الموضوع. أنا شخصياً ضد الطريقة التي أوقف فيها. أما في موضوع التهم الموجهة إليه، فنحن نريد من القضاء أن يكون الحكم ولا نريد أن نتدخل بعمله». وأعلن أن قراراً اتخذ بعد التشاور مع كل فاعليات طرابلس، برفع الغطاء السياسي عن كل مخلٍّ بالأمن. وأكد المفتي الشعار أن «الاعتصام سيرفع (أمس) وسيعود المواطنون إلى بيوتهم بعدما أخذوا وعداً من الرئيس ميقاتي بتحقيق مطالبهم»، مشيراً إلى أن «القضايا الأمنية لها علاقة بسائر المواطنين ولا يجوز لأي حزب سياسي أو فريق أن يحتكر الشارع أو يقطع الطرقات بواسطة الإطارات المشتعلة»، وطرح الشعار أمام ميقاتي قضية الموقوفين الإسلاميين الذين يزيد عددهم عن 168 موقوفاً والذين لم يحل أي منهم إلى المحاكمة حتى الآن، لافتاً إلى أن «الانفجار الأمني الذي حصل في المدينة ناتج من احتقان مزمن يعيشه بعض المواطنين منذ أكثر من خمس سنوات نتيجة بعض المسجونين الإسلاميين الذين يقبعون في الزنزانات من دون أي محاكمة أو تحويلهم إلى القضاء المختص». وقال: «إذا أحيل هؤلاء على القضاء ستعود الأمور إلى الهدوء والأمن والاستقرار».

واستنكر الشعار الطريقة التي تم فيها القبض على المولوي من قبل عناصر الأمن العام، معتبراً أن «هذه الطريقة شكلت إهانة لكرامة المواطنين ولكرامة الوزير محمد الصفدي». وعلمت «الحياة» أنه سجل خلال الاجتماع احتجاج على لجوء الأمن العام إلى التوقيف إذ إن الأمر ليس من صلاحياته. وشدد الشعار على رفع الغطاء عن أي مخلٍّ بالأمن، واصفاً ما يحصل في طرابلس بأنه استهداف للمدينة لتصويرها خارجة عن القانون.

كما عقد ميقاتي اجتماعاً ثانياً شارك فيه المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي إضافة إلى الشعار والحسن وأحمد كرامي والصفدي وممثلين عن الحركات السلفية في طرابلس والشمال المشايخ سالم الرفاعي ورائد حليحل وأمير رعد وأحمد شعراني ومحمد رحيم وبلال بارودي. وطرح المجتمعون على ميقاتي موضوع الخروق السورية التي تحصل في الشمال وعدم طرح الحكومة إياها إلا من باب الحديث عن عمليات تهريب أسلحة، معتبرين أن هذا الأمر يسبب احتقاناً في صفوف الأهالي. وأكد الشعار رفع الغطاء عن كل مخلٍّ بالأمن، واعتبر أن قطع الطرق وحرق الدواليب هي أمور محرمة على اعتبار أنها تصرفات دنيئة لا تخدم أحداً، وأكد حق التظاهر والتعبير عن الرأي. وجرى اتفاق على تكثيف الجيش الحواجزَ. وطرحت قضية الموقوفين الإسلامين والخلية الإرهابية في الجيش اللبناني التي قيل إنها كشفت أن أفرادها كانوا ينوون استهداف ثكنات للجيش، وأين أصبحت التحقيقات في شأنها.

وأبلغ ميقاتي المجتمعين بأن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أبلغه بأن المولوي سلم إلى القضاء المدني وهو أمر أكده مدعي عام التمييز القاضي سعيد ميرزا. كما أبلغهم بأنه ستصدر عن اجتماع المجلس الأعلى للدفاع من أمور مطمئنة، تساهم في رفع الاعتصام.

جنبلاط لاطلاق المولوي

وأجرى رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط سلسلة اتصالات سياسية شملت سليمان وميقاتي وقائد الجيش العماد جان قهوجي وقادة الاجهزة الامنية ومسؤول لجنة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا. واكد ضرورة اطلاق المولوي ومعالجة الامر وفق الاصول القانونية للحيلولة دون حصول اي تكرار لتجاوزات في التوقيفات من غير اصحاب الصلاحية، مشددا على «ضرورة التوصل الى معالجة سياسية للمشكلة تضمن عدم زج الجيش في طرابلس وتحييده عن التجاذبات الداخلية». وطالب بالاسراع في محاكمة الموقوفين الاسلاميين واقفال هذا الملف بصورة نهائية.

الصفدي

وكان الصفدي أعلن في بيان صادر عن مكتبه فور توقيف المولوي أن عناصر مسلحة من الأمن العام في طرابلس دخلت المركز «من دون إذن أو سابق إنذار. وعمد هؤلاء إلى توقيف المواطن وإخراجه بالقوة إلى جهة مجهولة ما أثار ذهول الموظفين والمواطنين الموجودين في مكتب الخدمات». وجاء في البيان أن الصفدي «إذ يربأ بجهاز الأمن العام استخدام مثل هذه الأساليب المستهجنة في استدراج المواطنين يطالب بالإفراج فوراً عن المولوي، ويعتبر أن هذه التصرفات مرفوضة رفضاً تاماً وهي تشكل خرقاً للقوانين وللأعراف وللحرمات وتعطي عن الأمن العام صورة لا نرضاها له»، كما طالب قيادة الأمن العام والجهات المختصة بـ «فتح تحقيق بهذه الحادثة ومعاقبة المسؤولين».

الحريري: الخطأ لا يعالج بخطأ اكبر منه

شدد الرئيس السابق للحكومة اللبنانية سعد الحريري على أن «معالجة الخطأ بخطأ أكبر منه هو جريمة ترتكب بحق طرابلس ووقوع في فخ يخطط له أعداء لبنان وأعداء المدينة»، مطالباً الجميع بـ «التزام القانون ورفض الفوضى ومظاهر الخروج عن الدولة»، ومؤكداً أن «الجهاز الذي قام بعملية الاعتقال يجب أن يحاسب قانونياً، وقانونياً فقط».

وأكد الحريري الذي يزور ابو ظبي في تصريح أمس ان ما يحصل في طرابلس من «إقفال للطرقات واعتصامات عشوائية وشهر للسلاح على أهل المدينة أنفسهم أمر مرفوض، تماماً كما هو مرفوض الأسلوب الذي تم فيه اعتقال الشاب شادي المولوي»، مشيراً الى أن «الحل لا يمكن أن يكون الخروج عن الدولة، أو القبول بمظاهر الخروج عن الدولة، لأن الدولة كانت وما زالت مشروعنا السياسي الوحيد». ودعا الى «ضبط النفس وتضييع الفرصة على الذين يريدون لطرابلس أن تصبح مدينة الفوضى. على الجميع التزام القانون، وعلى القوى السياسية أن تتحرك بحزم وسرعة في ملف الاعتقال والأسلوب الذي تم به».

ورأى أن «إقفال المدينة بالشكل الذي تم هو إقفالها على نفسها، وأدعو الجميع إلى التبصر بأن الخطأ لا يعالج بخطأ أكبر منه وأن ما تقوم به بعض القوى من تحريض وشعارات تغذي الاحتقان هو إسقاط للفوضى على طرابلس، وإسقاط لطرابلس في فخ يخطط له أعداء لبنان وأعداء طرابلس»، لافتاً الى أن «الجهاز الذي قام ميقاتي مجتمعاً مع الشعار والوزيرين أحمد وفيصل كرامي (الحياة).jpg بعملية الاعتقال يجب أن يحاسب قانونياً، وقانونياً فقط. وأن أي انجرار إلى لعبة السلاح والخروج عن الدولة والفوضى في الشارع لأي سبب كان هو جريمة ترتكب بحق المدينة». وأوضح ان «أهل طرابلس يستحقون منا جميعاً الكثير من الصبر والحكمة، ولا ذنب لهم ليتعرضوا إلى إطلاق النار والترهيب بالسلاح لأي سبب كان»، مؤكداً أن «دماء اللبنانيين جميعاً غالية علينا، والعدالة لا تحصل باليد بل بالقانون». وكان الحريري ناشد في دردشة عبر «تويتر» امس «أهلنا في طرابلس الهدوء والعمل بالتوجيهات التي صدرت عن المفتي مالك الشعار والقيادات السياسية». وقال: «هناك حكومة وهي تتحمل المسؤولية». واعتبر ان «هناك محاولة لتصوير طرابلس مدينة خارجة عن القانون والصحيح أن تصرف أحد أجهزة السلطة هو الخروج عن القانون»، داعياً الجيش الى «تحمّل مسؤوليته بحماية المدينة والمواطنين"

السابق
طرابلس ترفع الغطاء عن مسلحيها والجيش يتمهل في وأد الفتنة
التالي
الشرق الأوسط: طرابلس بين نار المعارك المسلحة وتهديدات بتصعيد ردود فعل المعتصمين مقتل 5 أشخاص في الاشتباكات المستمرة بين مقاتلين في جبل محسن وباب التبانة