الطائفية والديمقراطية … لا تلتقيان!

كثير من اللبنانيين قد لا يصدقون إذا قلت ان أول من انتخب كرئيس للجمهورية اللبنانية هو المسيحي الأرثوذكسي شارل دباس في عام 1926, وأن المسلم السني الشيخ محمد الجسر قد ترشح في العام 1932 لرئاسة الجمهورية من قبل الكتلة الوطنية ذات الاغلبية النيابية المسيحية آنذاك بل إنه في عام 1947 انتخب مجلس النواب حبيب أبو شهلا, وهو أرثوذكسي رئيسا له, من دون وجود لبدعة الترويكا المارونية – السنية – الشيعية المعمول بها حاليا, فلبنان ومنذ بدايته يتسع للجميع, وليس لطائفة دون اخرى, وكان ولاء اللبناني لوطنه لا لطائفته او مذهبه الغارق فيهما حاليا حتى أذنيه.

في الحقيقة ما جعلني ابدأ بهذه المقدمة الوتيرة الطائفية المرتفعة التي لمستها ومعظم الشعب اللبناني قبل أيام لدى متابعتنا لجلسات نقاش بالبرلمان منقولة تلفزيونيا على الهواءمباشرة لثلاثة ايام متتالية كانت اقرب ما تكون الى مبارزات نيابية منها الى نقاش برلماني فالكل قد اشمئز من ارتفاع تلك الوتيرة وبشكل غير مسبوق, حتى وصل النقاش في بعض الأحيان الى حد توجيه الشتائم البذيئة كقول احد النواب موجها كلامه الى زميله النائب "شو هل أكل (….)! ايقنت بعدها ان افق الانفراج في لبنان مسدود وايقنت اكثر باننا لا نعيش في دولة ذات كيان سياسي تسمى لبنان, بل نحن مجموعة طوائف لا تزال تعيش في فترة ما قبل تشكيل هذا الكيان, وفي ظل هذا التجييش الطائفي فان كل الحلول ساقطة وعاجزة عن معالجة اي ازمة من ازماتنا المتعددة, فلا يمكن ان تلتقي الديمقراطية مع الطائفية ابدا, واذا جاز ان اتكلم باسم السواد الاعظم من اللبنانيين, فاجزم بان المواطن اللبناني قد سئم المساجلات التي لا طائل منها فهو يريد ان يسمع عن انجازات وخطوات عملية لحل ازماته المعيشية المتفاقمة وبحاجة الى تثبيت سعر ربطة الخبز وصفيحة البنزين والتنعم بالتيار الكهربائي, كما أنه قد فقد الثقة بأقوال زعمائه الطائفيين والاقطاعيين وامراء الحرب حتى كفروا بالطائفية وتجارها, والغريب ان ذلك برز بعد توقف الحرب الأهلية واقيمت "جمهورية الطائف" على اساس المحاصصة بين هؤلاء الذين وضعوا يدهم على مقدرات الوطن فحينها ادركت عامة الشعب , ولو متأخراً ان المحاصصة الطائفية السياسية ساهمت في تغطية الفساد المالي والاداري إلى حد بعيد, وبأنها كانت تربة خصبة لتمرير المؤامرات الخارجية التي وللأسف وجدت ترحيبا من الداخل اللبناني.

وكمراقب عن كثب للأوضاع السياسية والأمنية, ولما يمكن ان تؤول اليه ثورات الربيع العربي ولاسيما في سورية وتداعياتها على لبنان, فاننا بحاجة الى استباق الاحداث, وذلك بالدعوة الى مظاهرات تنتشر في كل ارجاء لبنان تتيح لنا ان نعلق الامصال, ونعطي اللقاحات للسياسيين المرضى بمرض الطائفية العضال ولو اضطررنا الى زيادة الجرعات لهم حتى يعودوا الى صوابهم رأفة بلبنان, ولو اضطر الامر الى "ثورة فيسبوكية" تطالب بالغاء الطائفية من النفوس قبل النصوص عمادها الشباب ثروة وطننا واجيالنا القادمة, ونتوجه بالسؤال الى هؤلاء الزعماء, ما ذنب المواطن اللبناني اذا ولد من طائفة معينة? ونطالبم بالكف عن المتاجرة بقضايا الوطن لمصلحة طائفة, وبذلك فقط يمكن ان نحصن الوطن, فلا يبقى نظامنا الطائفي مشروع فتنة وحرب أهلية دائمة.

السابق
شرب سوائل تعقيم اليدين..؟!
التالي
فاطمة…الأعلى أجراً