السعوديّة والحسابات

يضيق الهامش الزمني ما بين زيارة وزيرة الخارجيّة هيلاري كلينتون الى الرياض، وزيارة وزير الدفاع السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز الى واشنطن، وتؤشّر كثافة الحركة الى كثافة الملفات التي تتطلّب أكبر قدر من التنسيق بين البلدين الحليفين. وتزامنت في هذا التوقيت، زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الى إحدى الجزر الإماراتيّة الثلاث المتنازع عليها، لتشكّل رسالة بالغة الدلالة برسم كلّ من القيادتين السعوديّة والأميركيّة، وجاءت ردّة الفعل سريعة ومباشرة، دعوة الى اجتماع طارىء على مستوى وزراء خارجيّة دول مجلس التعاون، وقرارات على جانب من الأهميّة لكنّها بحاجة الى تنفيذ وفق الاتفاق الإستراتيجي المُبرم ما بين دول المجلس والولايات المتحدة.

خلال زيارتها الى الرياض اجتمعت كلينتون بنظرائها الخليجيّين، وشددت على ضرورة تفعيل الاتفاق الإستراتيجي لحَقن الدماء في سوريا، والحدّ من المطامع الإيرانيّة في الخليج. وتعاطَت طهران مع هذا الاجتماع وكأنه استفزاز لها، وردّ نجاد على هذا الاستفزاز بالاستفزاز من خلال زيارته لجزيرة أبو موسى، ولم يظهر أيّ ردّ فِعل أميركي، لأن الأولويات اختلفت، والأجندات أيضا، وهناك سوء تصرّف – على الأرجح – في مقاربة الملفات المفتوحة في الشرق الأوسط، وسوء تقدير لخطورتها. هناك تفاهم أميركي – روسي قد حصل حول كيفيّة التعاطي مع الوضع السوري الداخلي، مِن عناوينه تفاهُم على اختيار كوفي أنان، وتفاهم على مهمّة يضطلع بها محورها النقاط الست، وتفاهم على هيئة مراقبين دوليّين، تتحرّك فورا ميدانيّا وتشرف مباشرة على التنفيذ، وتفاهم على التنسيق والتشاور وفتح أبواب الحوار حول كلّ طارىء ومستجد في المنطقة.

إنه لمن المهمّ جدّا معرفة ماذا تريد السعوديّة من الولايات المتحدة، وماذا تريد الأخيرة من المملكة، فالعلاقات محكومة بسريّة مطبقة، وهذا جوهر ديمومتها ونجاحها، لكن بالمقابل لا يمكن تجاهل الطلب الأميركي من الرياض بضرورة السعي الى إنجاح مهمّة أنان في سوريا، والمساعدة على حقن الدماء، وإعادة النظر بالقرار الذي سبقَ أن جاهر به الأمير سعود الفيصل حول مدّ المعارضة بالسلاح، كما لا يمكن للإدارة الأميركيّة أن تتجاهل طلب المملكة بمعالجة التدخّل الإيراني في الشؤون الداخليّة للدول العربيّة، والنفوذ المتمادي في منطقة الخليج، والنظر بجديّة الى المعادلة التي أفرزتها الوقائع اللبنانيّة – السوريّة، بحيث لا يجوز ان يسمح لطائفة أو مذهب باستخدام السلاح لفرض معادلات أمنيّة وسياسيّة واقتصاديّة على فئات أخرى تحت مظلّة من الشعارات التي تبدأ بمواجهة الشيطان الأكبر، وصولاً الى مواجهة سائر الشياطين، وفق التصنيفات الديماغوجيّة الاستنسابيّة.

وما يقلق دول مجلس التعاون، والسعودية تحديدا، هو معرفة نوعيّة التفاهم الأميركي – الروسي، وهل هو شامل ويأوي تحت مظلّته كلّ الملفات الساخنة، أم لا يزال ظرفيّا – سطحيّا يتناول يوميات الوضع السوري من دون أفق؟ إلّا أن المؤشرات الواردة من طهران ترجّح الاعتقاد بأن الكبار قد تفاهموا على إدارة شؤون الصغار، وإن ما يجري بين موسكو وواشنطن يتجاوز الوضع السوري، الى ترتيب الوضع الشرق أوسطي، والدليل أن القيادة الإيرانيّة سبق أن رفعت صوتها في وجه أنقرة مهددة بنقل المفاوضات النوويّة مع الـ 5 +1 الى بغداد، فانبرى الروسي يُهدّىء، ويضغط، ويطلب من إيران القبول فورا بمكان المفاوضات وزمانها من دون شروط أو عراقيل، وهكذا كان. ثم ان هذه المفاوضات قد سجّلت وبسحر ساحر أكبر قدر من الإيجابيّة، على رغم كل التوقعات السلبيّة التي سبقتها، وحكمت مسبقا على فشلها. فما الذي تغيّر؟. الذي تغيّر هو دخول عوامل جديدة على الخط، إحداها أنه خلال الزيارة التي قام بها أنان الى طهران، طلب مساعدتها لإنجاح مهمته، وتمنّى تدخّلها لممارسة ما يكفي من الضغوط المعنوية على النظام السوري لحمله على احترام وقف إطلاق النار، والسير بالنقاط الست نحو التنفيذ الفعلي، وقد لقي أنان كل تشجيع وتجاوب من القيادة الإيرانيّة، لكنه أخذ علماً بمطالب ثلاثة: أن تتدخل الولايات المتحدة بقوة لدى حليفتيها السعوديّة وقطر لوقف تدفق المال والسلاح الى المعارضة، واعتماد معايير واحدة في التعاطي مع الربيع العربي وعلى قاعدة أنه لا يجوز رفض ما يجري في سوريا، والسكوت عمّا يجري في البحرين، والطلب من الغرب أن يعيد النظر في العقوبات، إذ لا يطلب من إيران التجاوب لإنجاح مهمة أنان في الوقت الذي يفرض عليها أقسى العقوبات، وعلى سوريا، بهدف حملهما على الاستسلام؟!.

… ومن طهران الى الرياض مع أطيب التمنيات بعودة دول المنطقة الى التبعيّة الروسيّة – الأميركيّة.

السابق
ملفّات حسّاسة
التالي
نحو اطلسة لبنان ؟