الاخبار: جعجع: أنا الشهيد الحيّ

لم تحمل التحقيقات الأمنية جديداً في شأن «محاولة اغتيال» رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. وفيما يستمر الجدل قائماً بين الأمنيين بشأن حقيقة ما جرى، يظهر انها ليست المرة الاولى التي يعلن فيها جعجع نجاته بأعجوبة من محاولة لاغتياله

ليست المرة الأولى التي يعلن فيها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، تعرضه لما يسميه محاولة اغتيال. وإن كانت الوسيلة المقدمة في كل مرة من تلك الإعلانات، مختلفة. غير أن ثمة جامعاً مشتركاً بينها، يمكن التقاطه في شيء من تشابه الظروف والسياقات وتوقيت إعلان جعجع كل مرة نجاته بفضل.
بالعودة إلى أرشيف جعجع الإعلامي، يتبين أنه يتضمن إعلاناً مماثلاً، لا بل شبه مطابق، لما خرج به قبل يومين. كان ذلك في النصف الثاني من الثمانينيات. بين اغتيال رشيد كرامي في 1 حزيران 1987 وبداية حماوة الاستحقاق الرئاسي في العام التالي.

كانت المناطق الشرقية في حال غليان، وكان الكل في شبه مأزق. فجأة أعلن جعجع من مقره في المجلس الحربي، نجاته من محاولة اغتيال. وفي سلسلة متلاحقة من المؤتمرات الصحافية، قدم معاونوه التفاصيل: شاب من عائلة الرحباني، من قرية محمرش في البترون، حاول اغتياله بالدخول إلى مقره بواسطة سيارة مفخخة بنحو 300 كيلوغرام من مادة تي إن تي. بعدها وُزعت مقابلات مصورة مع الرحباني، يقول فيها إن «تيار المردة» جنّده لاغتيال جعجع مقابل مبلغ مالي كبير. لكن «ضميره المسيحي» حال دون تنفيذ المهمة، فنجا جعجع بأعجوبة.

سليمان فرنجية سخر يومها من الرواية، ولا يزال. وبعد ساعات على إعلانها اختفى الرحباني، الذي لم يظهر على الإعلام المباشر ولا لحظة، ولم يرد لاحقاً أي ذكر له أو «لجريمته» إطلاقاً، لا في تحقيق رسمي ولا غير رسمي ولا في أدبيات «قوات» جعجع نفسه. وفي اليوم التالي للإعلان، ضخ إعلام جعجع عشرات الأسماء بين زوار ومتصلين به لتهنئته بالسلامة من «المحاولة الآثمة»، مؤكداً أنه اكتفى بالرد على مهنئيه بعبارة: «يللي الله معو ما بتقتلو شدة».

إعلان جعجع الثاني لنجاته من محاولة اغتيال أخرى، جاء في ظروف أكثر تشويقاً وهوليوودية. كان ذلك يوم وقف في قفص المجلس العدلي، متهماً باغتيال داني شمعون وعائلته. في إحدى جلسات المحاكمة كان ثمة شاهد مميز، اسمه الياس حبيقة. رفيق جعجع السابق، وخصمه اللدود. كان جعجع قد اعترف في التحقيقات الأولية بأنه هو المسؤول عن تفجير كنيسة سيدة النجاة القائمة ضمن مطرانية الروم الكاثوليك في زحلة. وكان معروفاً أن ذلك الانفجار الكبير استهدف حبيقة وعدداً من سياسيي عاصمة البقاع المجتمعين هناك لحظتها. في هذا السياق، عند مناقشة المتهم للشاهد، سأل القاضي جعجع مجدداً عن الموضوع، فكرر اعترافه، عازياً ذلك إلى أنه جاء رداً على قيام حبيقة قبلها بمحاولة لاغتياله في الكرنتينا. وأنه نجا منها بأعجوبة. نفى حبيقة بشدة، فابتسم جعجع، وانتقل إلى حديث آخر.

لكن كل المعنيين بالمحاكمة يومها، استغربوا لماذا اعترف جعجع بتلك الجريمة. البعض قال إنه فعل ذلك ليظهر للقضاة أنه حين يكون مسؤولاً عن عمل لا يخجل به، وبالتالي فهو صادق في نفيه اتهامات أخرى كان يحاكم بصددها. بعض آخر زعم أن اعترافه بتفجير زحلة كان نوعاً من الرسالة السرية، من طريق الغمز من قناة مسؤول كبير يومها، قيل إن العبوة التي فجرت المطرانية، كانت قد نُقلت من الكرنتينا إلى زحلة، بسيارته حين كان أحد نواب عاصمة البقاع، قبل تبوئه مسؤولياته العليا آنذاك، وهو ما لم يتأكد قط. أما البعض الثالث، فظل مصراً على أن المقصود من اعتراف جعجع، هو للقول للرأي العام إنه هو من كان دوماً ضحية لمحاولات الاغتيال، فكيف يُعقل أن يتهم بارتكابها؟
وحدها الوردة استجدّت في إعلان جعجع الجديد عن تمتعه الدائم بـ«الحماية الإلهية».  

السابق
اللواء: الباخرتان التركيَّتان تحملان تباشير الكهرباء وزعل أميركي في السراي
التالي
قديس العمالة