قمّة.. بابا عمرو

لم تعوّض منصّة بابا عمرو، الرئيس السوري، عن منصّة قمة بغداد. والرسالة التي وجّهها من الحي المنكوب لم تحظ إلا بأجوبة صارت مألوفة على سمعه وأسماع السوريين والعرب أينما كانوا.
كل من طرق باب القضية السورية في القمّة بدا وكأنه لم يسمع بتلك الرسالة، ولم ير فيها أي مستجد يستحق التراجع عن الخطاب العربي والدولي القائل إن نظام الأسد انتهى، وإن الخلاف ليس على ذلك، إنما على وسائل ترجمة تلك النهاية وسبلها وأكلافها وتوقيتها.. وما سيليها!.

لم يكن أمراً عادياً ومألوفاً ما جرى في القمة. للمرة الأولى يسمع العرب والعالم لغة رئاسية (وإن لم تكن عامة) واضحة، تدعو وتحضّ وتدعم حراكاً يستهدف تغييراً في رئاسة ونظام بلد عربي. والمشهد، في كل حال، جعل من القمة مرآة صافية تعكس بعض ما دبّ على مستوى القاعدة في العام المنصرم، بدءاً من حضور الضيوف الجدد في نادي الحكام، وصولاً الى فحوى اللغة الجديدة البعيدة عما سلف، مروراً بغياب أو تغييب رأس السلطة السورية للمرة الأولى منذ عقود وعقود.
رسالة حي بابا عمرو، راحت كغيرها من رسائل الحاكم الدمشقي، ولم يبق لديه إلا التغنّي بالوقوف على خراب وخرائب مدينة أو بلدة او قرية سورية اخرى تُمعن كتائبه في تدميرها وفي تسجيل "الانتصار" تلو الآخر على أهلها!
الرسائل السابقة كُتبت بحبر مكافحة الإرهاب من خلال تحميل "القاعدة" والاختراعات المماثلة مسؤولية تفجيرات دمشق وحلب. وكتبت بحبر التهديد بحرق الأخضر واليابس والأكثر اخضراراً ويباساً في المنطقة الممتدة من أنقرة الى الكويت! وكُتبت بحبر التلويح بإيقاظ الجبهة النائمة في الجولان، وبحبر نفخ الحرص على الأقليات، وتكبير الحجر الخاص بالبديل الأصولي.. وكلها رسائل قرأها من أراد أن يقرأها لتبرير عدم تدخله، لكنها في المحصلة الأخيرة، لم تؤدِ الى رفع حجر واحد من حائط الحصار المضروب على السلطة الأسدية. كما لم تؤدِ الى تغيير جوهري في مواقف الداعين الى تنحي رأسها، وإن أنتج الخبث الدولي الطافح اليوم، ما يدعو الى التبرم والتساؤل عن معنى الصمت إزاء الجرائم المرتكبة.

يشطّ كثيراً رأس السلطة الأسدية في كتابة رسائله. ويفترض تبعاً لذلك، أن السياسة السابقة لا تزال حيّة تُرزق: الخارج يعوض عن الداخل.. أدوار اقليمية كبيرة تكفي لإحكام السيطرة الداخلية. المعادلة ذاتها التي ماتت، كما أخبرنا أطفال درعا منذ عام وأكثر، وكما يخبرنا أهل حمص ومعظم المدن والبلدات والدساكر السورية.. تلك المعادلة لا تزال راكبة في ذهن صاحبها: الحماية الروسية الإيرانية الإسرائيلية، وتراخي الضغط الخارجي الموازي لها، كافيان، في عُرفه ورأيه، لتغطية استمراره في قمع الداخل الثائر عليه، وبالتالي إنهاء تلك الثورة.

ينسى أو يتناسى، أن الداخل السوري هو الذي قرر تصحيح شأنه وشأن سوريا في الإجمال وليس الخارج، أياً يكن.
.. عدا عن ذلك، فإن ساعي البريد ذهب في إجازة ولن يعود قريباً، ولذلك فإن معظم رسائل الأسد تعود اليه. أما الرسائل المكتوبة بدم أحرار سوريا وأطفالها، فليست موجهة إلا الى صاحب السلطة الدمشقية، وهي وصلت بالتأكيد، وإن ظل مُتلقيها على مكابرته ونكرانه!.

السابق
لا أوهام لبنانية بالنسبة إلى النظام السوري
التالي
كهرباء.. بنزين.. وماذا بعد؟