ربيع العلاقة بين بري وعون

يحاول الرئيس نبيه بري سد شيء من النقص المتأتي عن تعذر انعقاد طاولة الحوار الوطني، في هذه المرحلة الحساسة المفتوحة على تحديات المنطقة وتحديدا الجوار السوري، فكان ان فتح حوارات جانبية في اتجاهات عدة، كما حصل مؤخرا من خلال استقباله العماد ميشال عون في عين التينة، واجتماعه مع الرئيس فؤاد السنيورة بحضور الرئيس نجيب ميقاتي في مكتبه في مجلس النواب قبل أيام على هامش الجلسة العامة.
خلال الاجتماع الأخير، قدم بري للسنيورة عرضا يقضي بمعالجة وضعية مبلغ الـ11 مليار دولار التي أنفقتها حكومته بعد تفنيد أوجه صرفها، بحيث تتولى لجنة نيابية وزارية النظر في هذه المسألة الى جانب تحديد كيفية تسوية أوضاع القوانين الـ69 المطعون في شرعيتها، كونها صادرة عن حكومة بتراء وغير دستورية برأي قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر، على ان يلتزم السنيورة في المقابل بعدم التعاطي سلبا مع مشروع قوننة إنفاق الـ8900 مليار ليرة المقدم من الحكومة الحالية، خصوصا وان لجنة المال والموازنة أصرت على تنفنيد طرق صرفها، بندا بندا، بناء على طلب نواب 14آذار أنفسهم.

وبعدما انتهى ميقاتي من الاستماع الى كلام بري، نظر الى السنيورة وقال له: يا دولة الرئيس، إنه بالفعل عرض مغر جدا، ولا يقاوم.. لكن السنيورة لم يتأثر بتوصيف ميقاتي، وبدا غير متجاوب مع طرح بري الذي استشاط غضبا، قبل ان يتدخل ميقاتي مجددا داعيا إياه الى الهدوء، لينتهي الأمر الى طلب رئيس المجلس من السنيورة ان يفكر في الاقتراح مليا حتى اليوم التالي الذي شهد انسحاب نواب كتلة المستقبل من الجلسة، لتبقى «تسوية» بري معلقة بانتظار ما ستحمله الأيام القليلة المقبلة.
أما العلاقة بين عين التينة والرابية، فيبدو انها تشهد ربيعا سياسيا، لعله تأخر عن موعده كثيرا، وتفتحت زهرته الأولى حين زار رجل الأعمال جيلبرت شاغوري الرئيس نبيه بري مؤخرا وهو صديق مشترك له وللعماد ميشال عون. خلال اللقاء، أبلغ شاغوري رئيس المجلس انه لمس وجود فتور مستجد بين عون والبطريرك الماروني بشارة الراعي، على خلفية إنزعاج البطريرك من وصول الجنرال بعد رئيس الجمهورية الى الاحتفال بعيد مار مارون، مشيرا الى انه يفكر في ان يجمع عون والراعي، بغية إزالة الإلتباس.
شجع بري ضيفه على المضي قدما في هذه المبادرة، لا سيما وانه مقتنع بأن الانتقادات التي وُجهت الى عون ظلمته، «لان الرجل لم يتقصد التأخير للإساءة الى رئيس الجمهورية، عدا عن انه لم يكن الشخص الوحيد الذي تأخر». بعد قليل، توسعت مبادرة شاغوري، وتوجه الى بري بالقول: يبدو ان علاقتك مع العماد عون باردة أيضا، وبودي أن أساهم في ترتيب لقاء بينكما ايضا.

شكر رئيس المجلس زائره على اقتراحه، ولكنه شرح له ان لا مشكلة جوهرية مع عون تتطلب وساطة، ودعاه الى ان يركز جهده على ترتيب الاجتماع بين الجنرال والبطريرك.
وبالفعل، نجح شاغوري في مهمته، وزار عون الصرح البطريركي، حيث التقى الراعي في زيارة بعيدة عن الأضواء، انتهت الى تبديد سوء التفاهم وعودة المياه بين الرابية وبكركي الى مجاريها.
أبلغ شاغوري رئيس المجلس بما حصل، ثم أعاد طرح فكرة اللقاء مع عون، وألح على بري ان يتجاوب معها.

سأله بري: متى تقترح ان نجتمع؟
– شاغوري: أنا مسافر بعد غد..
– بري: هذا يعني انك تقول لي ان أمامنا يوما واحدا هو الغد.
– شاغوري: نعم..
– بري: إذا.. تستطيع ان تبلغ الجنرال انه مدعو غدا الى تناول طعام الغداء على مائدتي.
وبالفعل، وصل عون في اليوم التالي الى عين التينة، حيث استقبله بري في الجناح المخصص لإقامته، وسأله على الفور عما إذا كان يرغب في حضور وسائل الإعلام لتصوير اللقاء، فلم يمانع الجنرال. وعلى عجل، تم الاتصال ببعض مراسلي المحطات التلفزيونية الذين كانوا قد غادروا عين التينة قبل وقت قصير، وطُلب منهم العودة لأمر هام.
بعد التقاط الصور، انطلق النقاش في جو من المصارحة المتبادلة، بعدما قرر الرجلان ان ينزعا القفازات الدبلوماسية، وكان لا بد من ان يكون موضوع رفض الوزير شربل نحاس توقيع مرسوم بدل النقل هو الطبق السياسي الأول على المائدة.
شرح عون مطولا وجهة نظره حيال مرسوم بدل النقل، مؤكدا انه مخالف للقانون، ومن غير الجائز إعطاؤه شرعية لا يستحقها.
استمع بري بتمعن الى طرح الجنرال، ثم قال له: أنا أوافقك الرأي في عدم قانونية مرسوم بدل النقل، ولكن الخطأ لا يُعالج بخطأ، والفساد لا يُعالج بفساد ومخالفة القانون لا تعالج بمخالفة الدستور.. «مون جنرال»، إن عدم التوقيع يعني ضرب إرادة مجلس الوزراء مجتمعا وهذه سابقة خطيرة لا يمكن تبريرها او القبول بها.. أنا لا أدافع عن الرئيس نجيب ميقاتي، وهو ارتكب بدوره مخالفة دستورية كبرى بتعطيله جلسات مجلس الوزراء مستندا الى ذريعة لم تقنع أحدا، إلا ان موقف الوزير شربل نحاس جاء ليغطي على هذه المخالفة..
ولكن عون أصر على موقفه، وأفاض في تفسير حيثياته وأسبابه الموجبة.
هنا، توجه بري الى عون بالقول: لدي الحل الذي يصون مؤسسة مجلس الوزراء ويريح ضمير نحاس في الوقت ذاته..
– عون: ما هو؟
– بري: باستطاعة وزير العمل ان يوقّع من جهة مرسوم بدل النقل التزاما بقرار مجلس الوزراء وان يطعن به من جهة أخرى أمام مجلس شورى الدولة انسجاما مع قناعته، وبذلك يكون قد احترم الدستور عبر التوقيع، واحترم القانون عبر الطعن.
– عون: هل أنت متأكد من ان الطعن أمام شورى الدولة ممكن؟
– بري: أنا محام قبل أن أكون رئيسا لمجلس النواب، وعلى كل حال باستطاعتك ان تسأل المختصين..
وأضاف بري مخاطبا ضيفه: إنتبه يا جنرال.. فريق 14آذار بدأ يستعد للانتخابات النيابية المقبلة، وهو تقدم باقتراح قانون معجل مكرر لقوننة بدل النقل، حتى يوحي للبنانيين والعمال انه حريص على مصلحتهم أكثر منكم ومن الأكثرية.. إن ما تفعلونه هو أكبر خدمة مجانية لهذا الفريق، ويجب تدارك الأمر بسرعة.
تجنب عون أن يعطي رئيس المجلس على الفور التزاما قاطعا بالسير في صيغة الحل التي طرحها، فيما أكد له بري انه سيقف الى جانبه في أي قرار يتخذه، سواء كان إيجابيا أم سلبيا، لتسير الأحداث لاحقا وفق التسلسل المعروف.
.. وتوسع الحوار بين الرجلين، ليطال وضع الأكثرية الحالية، وموقع عون فيها. هنا، نصح رئيس المجلس الجنرال بان يبدي أكبر قدر متاح من المرونة حيال الرئيس ميشال سليمان والرئيس نجيب ميقاتي، ودعاه الى ان يأخذ بالاعتبار متطلبات الفوز في الانتخابات المقبلة، قائلا له: يا جنرال، الشيعة قدموا أقصى ما يستطيعون تقديمه الى حزب الله وحركة أمل.. لقد ضحوا بأرواحهم وأرزاقهم، وأعطونا في الانتخابات 90 بالمئة من أصواتهم، ولا يمكن ان ننتظر منهم أكثر من ذلك.. وتابع: المعركة عندنا محسومة واستنفدت حدودها القصوى، وبالتالي المحك الآن في مكان آخر، ونحن نعتبر ان معركتك هي معركتنا الحقيقية، ويهمنا ان تربحها حتى يربح خطنا الاستراتيجي المشترك.
وتمنى بري على عون ان يُظهر بعض اللين في مقاربة التعيينات الإدارية، لاسيما تلك التي تقع على خط التماس بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال سليمان، لافتا انتباهه الى ان الثنائية موجودة في كل الطوائف ويمكن تنظيمها، وقال: خذ على سبيل المثال علاقتي مع السيد حسن نصرالله.. إن أكبر خلاف بيننا حول تعيين شخص هنا او هناك، نعالجه في ربع ساعة، لأننا متفقون على المبدأ، والباقي يصبح تفصيل، فإذا اقترحت أنا إسما معينا لموقع محدد، واقترح هو إسما مغايرا، نسارع الى شطبهما معا ونبحث عن إسم ثالث أو رابع حتى نتفق..
قرابة الثالثة والنصف بعد الظهر، غادر عون، لتدخل منذ ذلك الحين علاقته ببري في مرحلة جديدة من التفاهم السياسي الذي لا يخلو من ود شخصي متبادل، علما ان صمود هذه المعادلة يبقى رهنا بمدى قدرتها على تجاوز الاختبارات الكثيرة التي تنتظرها على الطريق بين عين التينة والرابية.  

السابق
خطط بريطانية لإرسال جنود وغواصة نووية إضافية إلى الخليج لمواجهة ايران
التالي
أغاني داعمة للمنتخب اللبناني