النفوذ الإيراني!

غريب..حتى في عزّ انفلات الحال اللبنانية باتجاهات الحرب مع إسرائيل، وتصاعد "المواجهة" بين "حزب الله" والولايات المتحدة في السياسة والإعلام والاستخبارات… وحتى بعد الانقلاب الحكومي المحلّي، وما تستبطنه وتكشفه كل تلك المحطات الجسيمات من نفوذ (أو قرار) إيراني، لم يجرؤ مسؤول واحد في طهران على البوح بما باح به الجنرال قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" بالأمس، وبتلك الشفافية الطنّانة، عن النفوذ التقريري الحاسم الواصل الى جنوب لبنان.
المفارقة في ذاتها تدلّ الى توتر استثنائي تشعر به القيادة الإيرانية حالياً، في ضوء تصاعد حدّة الحرب الباردة، بينها وبين العالم، في السياسة والإعلام والاستخبارات والأمن والاقتصاد وعلم النفس وعلم التكنولوجيا الحديثة.. ثم هي بعد ذلك تأتي كتتمة لاستعراض أوراق القوة التي تظهرها طهران توالياً وبوتيرة موازية لوتيرة تصاعد الضغوط والعقوبات عليها.
بدأ ذلك الاستعراض (أو استؤنف) من خلال المناورات البرية والبحرية والصاروخية التي جرت أخيراً، ثم بالتهديدات بإقفال مضيق هرمز، ثم بالتراجع عنها لكن مع ربطها بدوام ضخ النفط الإيراني (!؟) ثم بتحذير الجيران العرب من مغبّة العمل على تعبئة العجز الذي قد يتأتى جرّاء توقف ذلك النفط؟ ويُتوّج الآن بإعلان قدرات حتمية في جنوب لبنان والعراق.
واقع الحال هو أن أحداً لم يكن ينتظر ذلك الإعلان الرسمي الصاخب ليتأكد من امتداد النفوذ الإيراني من ضفاف قزوين الى ضفاف الأبيض المتوسط، لكن برغم ذلك، هناك شيء اسمه الإحراج، وذلك على ما يبدو، مُعطى لا يأخذ به الجنرال سليماني ولا القيادة الإيرانية في العموم… الإحراج الذي قد يصيب الحلفاء المعلنين وأولهم "حزب الله"، من ان قرارهم الأخير ليس في يدهم، وأن همّهم الأخير ليس لبنان، وأن مقوّمات التحالف القائمة مع طهران على أسس مذهبية (قبل أي شيء آخر) لا تلغي وجود مدوّنة سلوك واضحة: هناك من يُقرر وهناك من يُنفذّ.
والدور الثاني هنا، هو دور "حزب الله" الذي لطالما حكى وجادل وناطح سائر خلق الله من اللبنانيين في شأن مفهوم السيادة، بل وعيّرهم في ذلك، ثم سرّب ما هو أبعد من حدود هذه الجغرافيا اللغوية، من أن السيد حسن نصرالله تحديداً هو صاحب الصوت الحاسم عند القيادة الإيرانية في الشؤون العربية..واللبنانية!
الجنرال سليماني في تصريح واحد، واضح ولا يحتمل التأويل، حسم هوية صاحب القرار وحسم توظيفاته. بحيث إن أهل جنوب لبنان هم رعايا عند الجمهورية الإسلامية، ومصيرهم في يدها وليس في يدهم! وعندما تقرر هي، ويعلن قائد "فيلق القدس" القرار، ما عليهم إلا الانصياع والتنفيذ حتى لو صاروا وقوداً في معركة لا تعنيهم بالمعنى المصيري الأخير!
..تعرض القيادة الإيرانية أوراق قوتها وتفلشها أمام العالم على لسان الجنرال سليماني من طهران، وتعرض في المقابل أوراق الاستعداد للتفاوض على لسان وزير خارجيتها علي أكبر صالحي من أنقرة. وفي الحالتين تنكشف حدود المناورة وسقفها، وتكشف معها مسبّبات إحراج للحلفاء اللبنانيين، وتنكشف فوق ذلك مكامن توتر وقلق من ذهاب حائك السجّاد الواقف على حافة الهاوية، الى خطوة ناقصة تُنزله مع سجّادته الى تلك الهاوية!
وبالمناسبة هنا، إن ظهور الجنرال سليماني بهذا الشكل، هو في حدّ ذاته، جزء من استعراض طهران لأوراقها الهجومية.. عدا عن تأكيد ما يُقال منذ مدة، عن ان سليماني نفسه سيكون المنافس الأبرز على الرئاسة الإيرانية في الانتخابات المقبلة كمرشح مدعوم من المرشد الأعلى شخصياً.
.. في ذلك كله ما يكفي من دلائل "قوة وبأس" في مشروع امبراطوري نووي فضفاض، لا يحتاج في كل حال الى دماء الجنوبيين واللبنانيين وأرزاقهم لرفده بمدَدَ إضافي.  

السابق
الدعم الدولي للجيش السوري الحر!
التالي
من مسرحيّة 7 أيار حتى لحظة الانفجار