سليمان: نلتزم القرارات الدولية لا سيما تلك المتعلقة بالمحكمة الخاصة بلبنان

مواقف الرئيس سليمان جاءت في الكلمة التي ألقاها أمام السلك الديبلوماسي العربي والاجنبي المعتمد في لبنان في مناسبة تقديم التهانئ بحلول العام الجديد،
وفي ما يلي نصها:

"أصحاب السعادة، السيدات والسادة، وفق تقليد عريق نلتقي مطلع كل عام لتبادل التهانئ والتمنيات، وهي مناسبة كي أتقدم من سعادة السفير غبريالي كاتشيا عميد السلك الديبلوماسي المعتمد في لبنان، بالشكر على ما خصني به من كلمات طيبة، وعلى ما وجهه إلى اللبنانيين من رسائل مشجعة منفتحة على مقاصد الرجاء والأمل.
وإذ أبادله الإيمان بمقدرة اللبنانيين على تغليب منطق الحكمة والعقل، والابتعاد عن كل ما قد يعرض أمنهم ووحدتهم للخطر، فإنه يهمني أن أؤكد من جديد، عزمي على مواصلة الجهد، من أجل توفير الشروط المناسبة لاستئناف الحوار بين مختلف الأطراف اللبنانية، سعيا الى المحافظة على سلامة اللبنانيين ووحدتهم وهناء عيشهم، بالتزامن مع الجهد اللازم للتوافق على استراتيجية وطنية دفاعية لحماية لبنان.

أصحاب السعادة، طبع العام المنصرم منذ بداياته، بأحداث العالم العربي، وبالحركات الشعبية المطلبية التي طاولت العديد من أرجائه. وبالرغم من عدم وضوح آفاق المرحلة المقبلة بكل أبعادها، والتصور النهائي لما ستسفر عنه الأوضاع، فلقد أعربنا منذ البدء، عن الأمل في أن تؤدي المعالجات المختلفة لهذه الأحداث، بعيدا من العنف، إلى تحقيق الإصلاح، والانفتاح على الحداثة، وتعزيز الفكر القومي المستنير، والانتقال إلى رحاب الديموقراطية، وتاليا توفير الشروط المناسبة لتفعيل العمل العربي المشترك على قواعد سليمة وثابتة. والواقع أن من شأن الديموقراطية الحقة، ضمان التداول الدوري للسلطة، وإشراك جميع المكونات والفئات في الحياة السياسية، وخصوصا في المجتمعات التعددية، وصون الحريات العامة وحقوق الإنسان، بصفتها مكتسبات للبشرية جمعاء لا يجوز التفريط بها أو التنكر لما ترمز اليه وتهدف إليه.

وينطبق هذا التمني على سوريا، التي يربطها بلبنان علاقات أخوة وجوار مميزة، والتي يرى لبنان مصلحة، من منطلق قومي، في أن تنجح المبادرة العربية في المساهمة في إيجاد حل سياسي ومتوافق عليه للأزمة التي تواجهها، والتي أعاقت مسيرتها ونموها الاقتصادي خلال الأشهر المنصرمة، وأزهقت الكثير من الأرواح البريئة.

إلا أن كل هذه الانشغالات، على جديتها، لا يمكن أن تصرف اهتمام الشعوب العربية، كما اعتقد البعض، عن قضيتهم الأولى، قضية فلسطين. لا بل إن القراءة المعمقة لما يشهده العالم العربي من تحولات، تفيد بضرورة مضاعفة الجهد للاسراع في توفير الشروط اللازمة، وبالطرق الفاعلة المناسبة، من أجل إيجاد حل عادل وشامل لقضية الشرق الأوسط ولأوجه الصراع العربي – الإسرائيلي كافة، على قاعدة قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومرجعية مؤتمر مدريد، والمبادرة العربية للسلام، التي ستمضي قريبا عشر سنوات على إقرارها في القمة العربية التي انعقدت في بيروت في العام 2002.

من هذا المنطلق، يصعب على الدول العربية فهم تعثر الطلب الذي تقدم به الرئيس محمود عباس بقبول فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، خصوصا أن جوهر الديموقراطية وروح العدالة تقضيان بالانصياع لإرادة الغالبية الساحقة من شعوب العالم ودوله التي أعربت عن تأييدها للطلب الفلسطيني، وظهر الأمر جلياً عندما اعتمدت فلسطين كدولة كاملة العضوية في منظمة التربية والعلوم والثقافة،الاونيسكو. كذلك تقضي الديموقراطية الحقة وروح العدالة بقيام دولة فلسطينية حرة ومستقلة وذات سيادة على الأرض الفلسطينية بالذات، احتراما لمبدأ تقرير المصير، ولإرادة الشعب الفلسطيني ولقرارات الشرعية الدولية.

في المقابل، تستمر السلطات الإسرائيلية في التعجيل في اعمال بناء المستوطنات غير الشرعية، وتهويد مدينة القدس، ورفض التزام أي شرط من شروط السلام.

بموازاة ذلك، يتابع لبنان باهتمام مسألة ازدياد حدة التوتر في منطقة الخليج، والاخطار التي باتت تهدد الأمن والسلم الدوليين في تلك المنطقة. وهو يأمل في تغليب منطق الحوار والحلول الديبلوماسية، التي من شأنها تعزيز فرص الاستقرار والازدهار في دول الخليج التي يرتبط معها لبنان بعلاقات أخوة وصداقة، وقد وفرت على أراضيها رعاية مشكورة وأطر عيش وعمل كريمين لمئات آلاف اللبنانيين.

وينسحب الاهتمام نفسه على العراق الذي تخلص من الديكتاتورية، ولم يقع في شرك التقسيم، وفضل الديموقراطية التوافقية على الديموقراطية العددية، حرصا منه على صون وحدته الوطنية، وعلى إشراك جميع مكونات شعبه في السلطة وفي الحياة السياسية العامة. ولبنان يأمل في أن يتمكن العراق، وهو يتسلم منفرداً مسؤولية الأمن على كامل أراضيه، من المضي قدماً في السياسات التي تؤمن وحدته واستقراره وعزته وتوافق أبنائه على قاعدة المواطنة والشراكة والعيش الحر الكريم.

وسط هذه الأجواء الإقليمية المشوبة بالتوتر، تمكن لبنان من المحافظة على استقراره، ومن تلافي تداعيات الأزمة المالية العالمية وجذب المزيد من الودائع والاستثمارات، بالرغم من تسجيل انخفاض ظرفي في نسبة النمو. كذلك تمكنت الحكومة من المضي قدما في تنفيذ بعض ما تعهدت السعي الى تنفيذه في بيانها الوزاري، فتمت الموافقة على مشروع قانون دستوري لفصل الوزارة عن النيابة، ومشروع قانون يتعلق بإعادة اكتساب الجنسية اللبنانية، ومشروع قانون للمباشرة بمعالجة مشكلة الكهرباء. وبدأ البحث في مشروع قانون الانتخاب الذي أعدته وزارة الداخلية والبلديات، والعمل قائم على إعداد مشروع قانون متكامل في موضوع اللامركزية الإدارية في أقرب وقت، مع الحرص على إيلاء اهتمام متزايد بحقوق المرأة وحاجات الشباب اللبناني وطموحاته، كذلك تمت الموافقة على سلة تقديمات للبرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقرا، وعلى خطة لمعالجة أوضاع السجون الراهنة، من ترميم وإعادة تأهيل، وفق مخطط توجيهي قيد الإنجاز.

ومع صدور قانون تحديد وإعلان المناطق البحرية وقانون النفط والغاز والمراسيم التطبيقية له، أصبح الإمكان متاحا لاتخاذ الإجراءات الخاصة باستدراج العروض والمباشرة بأعمال التنقيب، علما أن لبنان سيتمسك بكامل حقوقه في هذا المجال، وفقا لقواعد القانون الدولي، خدمة لمصالح أبنائه وأجياله الطالعة.

أصحاب السعادة،
لقد تمكن لبنان من محاربة الإرهاب الدولي على أراضيه والانتصار عليه، بفضل عزم وتضحيات جيشه وقواته المسلحة ودعم الشعب اللبناني الثابت لخيارات الدولة في هذا المجال.

وبالرغم من ذلك، فقد شهد العام المنصرم، كما في مناطق مختلفة من العالم تنتشر فيها قوات حفظ سلام، هجمات إرهابية ضد قوات الأمم المتحدة العاملة في الجنوب. وهي مناسبة كي نكرر إدانتنا لهذه الاعتداءات المشينة، وكي نجدد العزم على متابعة التحقيق، بالتنسيق مع قيادة القوات الدولية، للتوصل إلى نتائج ملموسة، تسمح بكشف الفاعلين ومحرضيهم وإحالتهم على العدالة، والحؤول دون قيام اعتداءات مماثلة مستقبلا، علما أنه تم اتخاذ سلسلة إجراءات عملية خلال الأشهر المنصرمة لتوفير حماية أفضل لقوات "اليونيفيل".

وإذ نسجل بتقدير تجديد الدول المشاركة التزامها وعزمها على مواصلة تنفيذ المهمة الموكولة إلى القوات الدولية من قبل مجلس الأمن، بناء على طلب لبنان، وعدم التراجع أمام الإرهاب، فإننا نسجل بتقدير مماثل وارتياح، قرار دول إضافية أخرى بالمشاركة في عداد اليونيفيل، كايرلندا والبرازيل والنمسا وفنلندا.

ونأمل، في هذا المجال، أن تأتي المراجعة الاستراتيجية الجارية راهنا بين القوات الدولية وقيادة الجيش، بمقترحات تسمح بتحسين فرص النجاح في تنفيذ كامل مندرجات القرار 1701 الذي يلتزمه لبنان، والذي يفرض انسحاب إسرائيل من كامل الأراضي اللبنانية التي ما زالت تحتلها، ووقف خروقها المتمادية للسيادة اللبنانية، علما أنه لا بد للمراجعة الاستراتيجية من أن تلحظ تمكين الجيش الاستحصال على المعدات والخبرات والتقنيات الحديثة التي تمكنه من المراقبة والرصد والمتابعة والتعقب.

ولا بد لي هنا من أن أعبر عن التقدير للدور الذي اضطلع به القائد السابق لليونيفيل الجنرال البرتو أسارتا، وأن أعرب عن الترحيب باختيار قائدها الجديد الجنرال باولو سيرا، وأن أنحني أمام تضحيات كل ضابط وفرد من أفراد القوات الدولية العاملة في الجنوب.

كذلك يسرني أن يكون لبنان قد نجح في تنظيم "المؤتمر الثاني للدول الأطراف في اتفاق حظر الذخائر العنقودية على أراضيه"، آملاً في استمرار دعم المجتمع الدولي للجهود اللازمة لتوفير الموارد المالية والإمكانات لاستكمال برنامج نزع الألغام والقنابل العنقودية، ولمواجهة آثار البقعة النفطية التي تسبب بها القصف الإسرائيلي لمعمل الجية الحراري.

أصحاب السعادة، لقد قام لبنان بجهد إضافي لإيلاء المزيد من الاهتمام بالشأن الإنساني والحياتي للاجئين الفلسطينيين. وأقر الإجراءات العملية اللازمة لإقامة علاقات ديبلوماسية مع دولة فلسطين. إلا أنه لا بد لنا من التذكير باستمرار إلى ضرورة وفاء المجتمع الدولي بموجباته تجاه الأونروا، وزيادة مساهمات الدول الطوعية في ميزانية الوكالة، لأن مسألة الاهتمام بالشؤون الحياتية للفلسطينيين هي مسؤولية دولية قبل كل شيء، ووكالة الأونروا أنشئت خصيصا في العام 1949 من أجل تغطية احتياجات الفلسطينيين في المجالات الإنسانية والحياتية، في انتظار إيجاد حل سياسي عادل ونهائي لقضيتهم، وهي مهمة منفصلة عن مهمة الهيئة العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، التي يتعاون معها لبنان، والتي تعنى بشؤون اللاجئين من جنسيات غير فلسطينية.

ولا يسعنا، في هذه المناسبة، إلا أن نذكر تكرارا بحرص لبنان على رفض أي شكل من أشكال توطين اللاجئين الفلسطينيين على أراضيه، انطلاقا من حق هؤلاء اللاجئين الطبيعي والمشروع في العودة إلى أرضهم وديارهم الأصلية، ومن حق لبنان السيد في حماية مصالحه العليا وتغليب المبادئ الأساسية التي يقوم عليها وفاقه الوطني.

أصحاب السعادة، لقد أكد لبنان دوما التزامه قرارات الشرعية الدولية، بما فيها تلك المتعلقة بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ووفى بالتزاماته المالية في هذا المجال، وقد أنهى منذ أيام، فترة عضويته غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي عن العامين 2010-2011. وقد تسنى له بذلك، استعادة موقعه ودوره البارز على الساحة الدولية، وهو الذي شارك في إنشاء منظمة الأمم المتحدة، وساهم بصوغ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقد سرنا ما تبلغناه من الأمين العام للأمم المتحدة ومن دول صديقة عديدة من عبارات تقدير لمساهمة لبنان المميزة في اقتراح الحلول المناسبة للعديد من المشكلات الدولية التي طرحت على طاولة المجلس خلال العامين المنصرمين. وكان تسنى لي شخصيا ان اشارك في الجلسة الخاصة لمجلس الأمن في موضوع صون السلم والأمن الدوليين، وترؤس الجلسة الخاصة في موضوع الديبلوماسية الوقائية التي لا بد من العمل على تعزيزها تلافيا للنزاعات.
هذه خطوط عريضة، أصحاب السعادة، لما سعينا الى القيام به أو التعامل معه خلال العام 2011، وبعض الآمال والأهداف التي نضعها لأنفسنا للعام الجديد.
أغتنمها مناسبة للتقدم منكم ومن عائلاتكم بأطيب التمنيات، آملا في أن تنقلوا إلى ملوك ورؤساء وقادة الدول الشقيقة والصديقة التي تمثلون، تمنياتي الخالصة لهم بالصحة والنجاح في قيادة دولهم على دروب الاستقرار والعزة والازدهار.
وآمل ايضا، سعادة القاصد الرسولي، أن ترفعوا إلى قداسة البابا بنيديكتوس السادس عشر، الذي يضطلع بمهمات سامية في خدمة الإنسانية والقيم الروحية وقضية العدالة والسلام في العالم، عميق تقديري ودعائي له بدوام الصحة والعزم والصفاء. وشكرا".
  

السابق
السفير البابوي: لبنان بخبرته في العيش المشترك يمكن اعتباره مرجعا ملهما للمنطقة
التالي
المرعبي:الاهمال والتهاء السياسيين يؤديان الى الكوارث