خطاب الأسد: إمّا تسوية تُطبخ.. وإمّا نظام قويّ

شكّل خطاب الرئيس السوري بشّار الأسد، ومن ثم نزوله الى الشارع محيياً أنصاره والمحتشدين في ساحة الأمويين في دمشق أمس، نقطة تحول مهمة في مسار التطورات التي تشهدها الأزمة السورية

ففي حين رأى معارضو الرئيس السوري في خطابه استمراراً للنهج المعتمد لدى السلطة منذ بداية الاحداث، رأى فيه مؤيدوه إستعراض قوة سياسياً وشعبياً، محلياً وعربياً واقليمياً أجراه الأسد، ليرد من خلاله على تصاعد الهجمة الخارجية على سوريا من جهة، وتصاعد الهجمة الامنية الداخلية عبر التفجيرات الدموية التي شهدتها دمشق في الآونة الاخيرة، والخطاب بهذا المعنى هو رسالة تحدٍ في نظر هؤلاء للنظام الرسمي العربي، وفي الوقت نفسه تحدٍ لمشروع التصعيد العسكري في الداخل.

ومن استمع الى خطاب الأسد لاحظ فيه مستويين: أولهما مبدئي تمثل في الإصرار على التمسك بعروبة سوريا التي اعتبرها "قلب العروبة النابض" كما قال يوماً عنها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، والذي فوجىء كثيرون بحجم التصفيق الذي لاقاه اسمه عندما تلفّظ به الأسد، وكأن هذا الجمهور يرى في ما تتعرض له سوريا استمراراً لما تعرضت له مصر في عهد عبد الناصر، بل وكأنه يريد أن يوحي أن الرئيس السوري هو امتداد للحقبة الناصرية.

أما المستوى الثاني للخطاب فكان سياسياً عبر تحديد مواعيد للاستفتاء على الدستور الجديد وللانتخابات النيابية التي ستعقبه.

ولاحظ سياسيون حللوا خطاب الأسد أنه حمل في الوقت نفسه قراراً بالحسم ضد المجموعات المسلحة التي سمّاها إرهابية، وفي الوقت نفسه حمل دعوة الى العفو والتسامح لأن "لا حقد يجب أن يقوم بين ابناء البلد الواحد".

ومن قارن بين خطاب الأسد الرابع وكلمته التي حيّا فيها المؤيدين في الساحات السورية، وبين خطبه السابقة، لاحظ أن منسوب الارتياح لديه قد ارتفع في هذا الخطاب عنه في تلك الخطب. ولاحظ المحللون ايضاً ان هذا الخطاب لم ترُدّ عليه العواصم الاقليمية والدولية سريعاً وعنيفاً كما كانت الحال مع الخطب السابقة، فما عدا تصريح مسؤول فرنسي يعتبر خجولاً بالنسبة الى التصريحات السابقة، وما عدا تعليقات المعارضة السورية الفورية والمنفعلة، في نظر هؤلاء المحللين، لم تُسمع هذه المرة التعليقات التي سُمعت سابقاً من واشنطن ولندن وحتى أنقرة.

ويعزو هؤلاء السياسيون هذا الصمت الى أحد احتمالين: إما أن هناك تسوية ما تُطبَخ في أروقة العواصم المعنية، والتي عكست مناخها نتائج اجتماعات اللجنة الوزارية العربية الأخيرة في القاهرة، أو أن هذه العواصم قد بدأت تدرك أنها أمام نظام قوي نجح في تغطية أخطاءٍ وقع فيها عبر أخطاءٍ أكبر يقع فيها معارضوه، سواء من خلال لجوئهم الى العنف وعسكرة الاحتجاجات، أو من خلال انزلاق بعضهم الى تحريض طائفي مُحرجٍ لعدد من الجهات التي تدعمهم.

وقد كان لافتاً التصريحات التي صدرت عن أنقرة وشددت على الطابع السلمي الذي يجب أن تلتزمه المعارضة السورية، وفق ما جاء في نصيحة وزير الخارجية التركي احمد داوود أوغلو لـ "المجلس الوطني السوري"، بالإضافة الى الدخول الاسرائيلي على الخط، وبلغة طائفية بغيضة ترفضها غالبية السوريين والعرب، خصوصا حين دعا رئيس أركان الجيش الاسرائيلي بيني غانتس الى الاستعداد لاستقبال لاجئين علويين في الجولان المحتل.

ويتوقف مراقبو الوضع السوري بكثير من الاهتمام أمام زخم مسيرات التأييد الشعبية اليومية في معظم المدن السورية في مشهد يكاد يقلب المشهد السابق، فاليوم التظاهرات الشعبية مؤيدة، والمعارضون يلجأون الى استخدام السلاح لإثبات وجودهم، وهو عكس الصورة التي رافقت الأسابيع الأُولى من الأحداث، حيث كانت تظاهرات المعارضة سلمية وقوى الأمن تطلق الرصاص عليها.

ولا يخفي هؤلاء جميعاً ان هذا "التحول الايجابي" يعود الى أن القوى المناهضة للمشاريع الاميركية في المنطقة تتقدم، فيما القوى المؤيدة لهذه المشاريع تتراجع.

وقد نقل الصحافي الاميركي توماس فريدمان في كتابه الجديد "اميركا، أين كنا وأين نحن الآن" تعليقا لأحد اعضاء مجلس الشيوخ الأميركي يقول فيه عن هذا التحول ساخراً: "إذا أرادت واشنطن أن تدافع عن تايوان مثلاً في وجه الصين، فإنها ستضطر الى الاستدانة من الصين لكي تحارب بكين". وذلك في اشارة الى النسبة العالية لسندات الخزينة الاميركية التي باتت تملكها الصين.

ويشير محللو خطاب الأسد الى أن من مظاهر الإحساس بالقوة لديه إعلانه مجددا عن الاستعداد للحوار مع معارضيه الذين لم يتورطوا بالعنف الدموي، أو بالارتهان للأجنبي، معلناً استعداده في الوقت نفسه لتأليف حكومة تضم ممثلين لمختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي السوري. ويرون في تحيته للقوات المسلحة وللجسم التربوي السوري، رسالة غير مباشرة الى الذين راهنوا على تفكك الجيش وخاب رهانهم، والذين راهنوا على عصيان مدني واقفال عام، فإذ بالغالبية الساحقة من مدارس سوريا وجامعاتها بقيت تعمل في انتظام على رغم استهداف بعض الاساتذة والطلاب بالقتل المباشر.

وفي الوقت الذي ينتظر كثيرون نتائج اجتماعات اللجنة الوزارية العربية في 19 من الشهر الجاري بعد انتهاء مهلة الشهر المحددة لمهمة المراقبين العرب، فإن القريبين من دمشق يقولون "إن النظام السوري لن يتأثر بأي قرار سيصدر عنها لأنه يعتبر نفسه أنه قام بواجبه. فاذا بقي المراقبون فهو مستعد لحمايتهم وفق ما قال وزير الخارجية وليد المعلم لرئيسهم الفريق محمد الدابي، وإذا انسحبوا فإن النظام السوري لن يتأثر ويكون عمليا قد أحبط محاولات استغلال المراقبين لحشر حلفاء سوريا في مجلس الامن الدولي، وأيضا لخلق مناخ داخل سوريا يمكن ان يسمح بأن تأخذ التظاهرات الاحتجاجية اشكالاً أوسع وأضخم مما كانت عليه.

ولعل في تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بضرورة ان يركز عمل المراقبين على العمليات الإرهابية، إشارة الى أن دمشق نجحت في أن تنتزع شهادة بأن ما يجري على الأراضي السورية ليس عنفاً وحيد الجانب، بل هو عنف متبادل، فاذا كان النظام يقتل بعض أبناء شعبه، فبعض المعارضين يقتل ايضاً مدنيين وعسكريين من ابناء الشعب السوري، وأنه بالتالي ليس هناك من أُفقٍ إلا بحوار واصلاح وتسوية تاريخية. ولعل هذا ما يفسر قول الاسد: "ان المؤامرة على سوريا قد دخلت مرحلتها النهائية"، وذلك لدى حديثه الى الاعداد الكبيرة من السوريين التي تجمعت في قلب دمشق والمدن الأخرى أمس، على رغم البرد والمطر والصقيع، وعلى رغم الخوف من "مفخخات" شبهية بتلك التي ذهب ضحيتها سوريون أبرياء في حيي كفرسوسة والميدان الدمشقيين.   

السابق
الدرة وإيران..!
التالي
استخبارات إيران اخترقت جدار الصين!