الأسد يسابق المهلة المحدّدة لمهمة المراقبين

تواجه جامعة الدول العربية في ضوء الخطاب الذي ألقاه الرئيس السوري بشار الاسد تحديين على الاقل، وفق ما ترى مصادر ديبلوماسية معنية : الاول يتصل بواقع توجيه الرئيس السوري اهانات الى الدول العربية منفردة تقريبا ومجتمعة مماثلة لتلك التي وجهها الى الملوك والرؤساء العرب على اثر حرب تموز 2006 في لبنان مما أدى الى توتر في العلاقات بينه وبين الدول العربية انذاك والاستخفاف بجهود الجامعة. وهو لم يترك بابا واحدا مفتوحا مع اي من الدول بحيث يثار تساؤل اساسي عن جدوى بقاء المراقبين في سوريا ما دام النظام يستهين بجهود محاولة الانقاذ، وهو مستفيد منها، وان تكن هذه الجهود موجهة الى انقاذ سوريا من الغرق في ازمة دموية كبيرة وحماية المدنيين من حيث المبدأ. والاخر يتصل بواقع اعلانه انه سيستمر في مقاربة الوضع في بلاده بالسبيل الامني وبيد من حديد كما قال مما يعني ان مهمة المراقبين لا لزوم لها، علما ان هؤلاء شكلوا تغطية للنظام وأفاد منها وكذلك الامر بالنسبة الى المبادرة العربية القائمة على وقف العنف في الدرجة الاولى، فضلا عن بنود اخرى تتصل باطلاق المعتقلين وسحب المظاهر المسلحة من الشوارع قبل الانتقال الى الحوار السياسي. وتاليا فان المدة الفاصلة عن المهلة المبدئية المحددة لبعثة المراقبين والتي تنتهي في 19 من الجاري، وهي قابلة للتمديد يمكن بل يجب ان تشكل مراجعة لدى الجامعة وفق ما ترى هذه المصادر، من اجل اعادة النظر في مهمة المراقبين او الانتقال الى المرحلة التالية. فوزير الخارجية القطري حمد بن جاسم موجود في نيويورك، وقد التقى وفق ما تفيد بعض المعلومات مندوبي الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن التي ناقشت الثلثاء الوضع في سوريا بعد كلام الرئيس السوري، مما أدى الى جملة مواقف تطالب بنقل الملف السوري الى مجلس الامن وعدم قبول استمراره بعيدا من اهتمام الامم المتحدة ومسؤوليتها. ومع ان الدول الغربية لم تكن مؤمنة بنجاح المبادرة العربية ومهمة بعثة المراقبين، فقد فضلت اعطاءها فرصة في غياب الحلول البديلة، علما ان موقف الرئيس السوري والتداعيات على الارض تنهي عملها فعليا. وقد صدر موقفان عربيان احدهما كويتي والآخر اماراتي يحملان السلطات السورية مسؤولية الاعتداء على المراقبين وعدم التزام السلطات السورية مسؤولياتها تجاههم.
فهل ثمة سباق في الاسبوع المقبل وحتى انتهاء هذه المهلة المبدئية بين سعي الرئيس السوري الى اعلان امساكه بالوضع من خلال مظهرين للقوة حاول التلويح بهما من خلال خطابه ومشاركته مناصريه في تظاهرة مؤيدة له غداة هذا الخطاب، واعلانه ان "المؤامرة" وفق ما يطلق على انتفاضة السوريين ضد حكمه "هي في مراحلها الاخيرة" كما قال؟ وكل ذلك على اساس تذكير بعض الاوساط بخطاب "الثلثاء" الشهير الذي كانت تحدثت عنه شخصية سياسية لبنانية قبل شهرين داعية الى ضرورة انتظار يوم الثلثاء الذي سيعلن فيه الرئيس السوري انتهاء الازمة السورية، وقد تعذر ذلك بعدما برز اشتعال حمص في الداخل،مما عرقل هذه الخطة في ذلك الوقت وتنامي الاتجاه الى خطوة ما على الصعيد الدولي بعد الاستهانة بالجامعة ومبادرتها ووضع حد لمضمونها.
وهذا التحدي حول ما ورد في خطاب الرئيس السوري يواجه ايضا الجانب الروسي وفق ما ترى المصادر الديبلوماسية نفسها باعتبار ان هذا الجانب لا يزال يتمسك بقوة بالمبادرة العربية ويؤكد استمراريتها وفق ما ابلغ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الى الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي الذي اتصل به غداة خطاب الاسد الذي نعى فيه المبادرة العربية. وهذا التمسك الروسي بالمبادرة على نقيض ما أعلنه الاسد، يرقى الى اعتبارها خشبة خلاصه من الضغوط الدولية من اجل حسم موقفه من الازمة السورية في هذه المرحلة وقبل بت التفاوض على المرحلة اللاحقة وموقع روسيا المستقبلي في المنطقة. وواضح ان انهاء المبادرة العربية بالطريقة التي وضع الاسد نهاية لها ستضع روسيا في الزاوية وتحشرها امام الدول الغربية التي أوضحت انه لم يعد في امكانها السكوت عما يجري في ظل ما يعلن عنه من فظاعات وممارسة ضغط كبير على روسيا من اجل القبول بتعديلات على القرار الذي اعلنت عن تقديمه الى مجلس الامن حول الوضع السوري.
لذلك فان مفعول هذه التطورات ينحو في اتجاه تعزيز واقع انتظار ما يمكن ان يطرأ على المشهد السياسي السوري في الايام المقبلة، ميدانيا في الدرجة الاولى على وقع استمرار المواجهات اليومية وانهاء الرئيس السوري المبادرة العربية باعلان عدم امكان التجاوب معها ووقف العنف، واقليميا في ما يمكن ان تتخذه الجامعة العربية من خطوات في ضوء الاتصالات التي تجريها ودوليا ايضا، على رغم استدراك المصادر المعنية ان الوعود بانهاء الازمة أو انتهائها قريبا سبق ان اطلقت مرارا على لسان النظام او القريبين منه ومن حلفائه في لبنان، في حين ان الواقع لا يزال يوحي عدم امكان العودة الى الوراء في أي شكل.  

السابق
فصل الخطاب
التالي
الدرة وإيران..!