قلق بارد!

يُسمع رنين أجراس الثورة السورية في لبنان أكثر من غيره. والأمر طبيعي بحكم "التداخل" المتنوع الذي بُني على مدى عقود طويلة، وتخطّى الجغرافيا ليطال الأمن والسياسة والتجارة، وما يتفرّع من كل ذلك من أطر، أبرزها تلك الآتية من سلوكيات المافيا وثقافتها!
لكن الحكي الكثير هذا عن تأثّر لبنان أكثر من كل جيران سوريا بما يحصل عندها، يحمل هذه المرة مبالغات في علامات وإشارات القلق (المحلية وغير المحلية)، من احتمال انعكاس التفتت السلطوي والاجتماعي هناك على "النسيج" الوطني اللبناني، بحيث يدفع به الى محاكاة ذلك الذي يحصل (وسيحصل؟!) نتيجة سقوط سلطة الاسد، او في الطريق الى ذلك السقوط.
والحال، هو ان القلق مقيم في نواحينا قبل تطورات سوريا، وسيبقى بعدها. لكن أبرز مسببات طمس تأثيراته الميدانية، يكمن في حقيقة مبدئية معطوفة على حقائق مستجدة، أولاها ان سوريا (ربما، لا سمح الله) تدخل الى مكان نزح عنه لبنان! حيث مرّت على رؤوسنا (نحن الأشهاد) كل انواع الاحتراب وطبقاته طوال السنوات العجاف الماضيات.
.. لم تبقَ حرب إلا وجرّبناها. ولم يبقَ نزاع إلا واعتمدنا قياساته، حتى بلغ التفتيت الذُّرى، وتناسلَ الى حدود العجز: حروب بين دول وشعوب وتنظيمات وأحزاب وطوائف ومذاهب. وداخل الطوائف ثم داخل المذاهب، ثم داخل الداخل، حتى تَعِبَت الفتنة من كثرة استخدامها، وخَجِلَتْ الدماء من شدّة استسهال إهراقها وتبخيس ثخانتها وقدسية الروح التي فيها!

تبعاًَ لذلك، يطبش الافتراض البريء، بأننا سبق أن عبرنا ذلك الدرب.. ومن عَبَر اعتبر!
غير أن الخلاصة الافتراضية تلك على مبدئيتها لا تكفي لإصدار الحكم الأخير.. بل الحاصل هو أن شيئاً من ذلك التوجّس الاقتتالي التفتيتي الطائفي او المذهبي، لم يصدر بإحكام من قبل "المعنيين" بإصداره. أي لم يصدر خارج سياق الفلتان الكلامي، ما يشي بأن احداً في لبنان، (والمقصود الوحيد هو "حزب الله") مستعد لإحراق نفسه ولبنان دفاعاً عن تلك السلطة!

هناك من بين حلفاء تلك السلطة من هو مستعد لافتعالات وانفعالات أمنية محدودة ومتنقلة، لكن من دون القدرة على إنتاج شيء فتنوي كبير.
بناء عليه، يميل الظن الى التحليل السعيد، بأن المصالح راكنة مطمئنة في مواجهة المشاعر. وهذه وتلك تتقاطعان عند حدود الامتناع عن الإغراق في دعم السلطة السورية خارج أرضها وحدودها، إلا إذا اقتضت ضرورات المشروع الامبراطوري الطموح والمأزوم، الاستمرار والإمعان في اعتماد الطريقة الوحيدة التي يراها أصحابه سبيلاً لامتداده: الفتنة المذهبية وما هو أبعد منها… والله أعلم!.

  

السابق
لقاء.. غير ودي
التالي
السفير: تشديد روسي ـ إيراني على حل سياسي في سوريا والاجتماع العربي الأحد قد يتوسّع