عن أي ربيع يتحدث هنية؟!

ساطع نور الدين، الكاتب الموهوب في «السفير» اللبنانية، كتب معلقاً على بعض ما قاله اسماعيل هنية في جولته التي لم نعلق عليها، مراعاة لمناخ المصالحة، واسقطنا ضرورة التنبيه الى أن الرجل يسعى لأن يغبّ في هذه الجولة، من مجد يتوهمه، قبل أن ينجرف هذا المجد الموهوم أمام موجة التوجه الوطني، الى وحدة الكيانية الفلسطينية. وفي الحقيقة، إنني أرى فيما يكتب زميلنا الجريء ساطع، بحرفية عالية، ممارسة تنويرية لا يماثله فيها كاتب صحفي لبناني. فهو ينتقد معسكر الطنين الكذوب، وأين؟ على صفحات جريدة «السفير» اللبنانية، الموالية في معظم ما تنشر، لـ «حزب الله» وللنظام في سورية، ولأتباعه في لبنان!

قال ساطع نور الدين: وحده، ومن دون مساعدة من صديق، توصل رئيس وزراء حكومة حماس في قطاع غزة اسماعيل هنية الى اكتشاف مدهش لم يسبقه اليه احد، والى استنتاج لن يلحقه به احد… الا اذا كان مثله من بسطاء السياسة العربية وسذّجها، او اذا كان من دهاقنة الإسلام السياسي وعباقرته.
الرجل الذي كانت بالنسبة اليه وحده، من دون سواه من الفلسطينيين والعرب والاجانب، الحرب الاسرائيلية المدمِّرة على قطاع غزة، قبل ثلاث سنوات، نصرا بل نعمة إلهية، حلت على الشعب الفلسطيني، واكتشف أخيرا ان استيلاء حماس على القطاع قبل سبع سنوات وإقامتها الامارة الاسلامية الموعودة هو الذي اطلق شرارة الثورات العربية الراهنة»!

ففي هذه السطور التي كتبها أخونا ساطع، تأكيد على ما ذهبنا اليه في تعليقات عدة، تناولنا فيها وصف الحرب الإجرامية الدامية المدمرة، التي شنها المحتلون على غزة، بأنها فرقان ونصر مُبين. وأيامها كررنا الدعاء الى الله، بأن يحرم العواصم العربية العزيزة، التي صدقت «حماس» وأيدت مزاعمها، من مثل نصر كهذا. ويفاجئني ساطع، بمعرفته لحقيقة الحال الفلسطيني الداخلي، ولمستوى الأشخاص القائلين بأن ما حدث هو النصر بعينه، إذ يقول ساطع عن إسماعيل هنية:»الرجل معروف بقلة معرفته وكفاءته وخبرته السياسية، كما انه معروف أيضاً بسوء ادارته وتشدده في ملف المصالحة الوطنية الفلسطينية، الذي يظن بعض الحالمين الفلسطينيين، انه يمكن ان يؤدي الى إقناع حركة حماس باقتسام الاشراف على امارة غزة، التي صار لها عنوان جديد: مهد الثورة العربية. فربما يقال إن هنية انجرف في الحماسة عندما كان يزور قبل يومين المملكة الاسلامية الجديدة التي تولد اليوم على ارض الكنانة، التي يمكن ان تصبح عمقا استراتيجيا لإمارة غزة. فقد حلّ الرجل في مصر وبين «إخوانها» حلول التلميذ بين أساتذته، واعلن بصوت مرتفع وسط حشود المستقبلين، في منطقة المقطم، أن حماس لا تخفي انتماءها الى الجماعة التي حصدت غالبية الأصوات المصرية، ولا تنكر انها الذراع الجهادي للجماعة التي لم تحسم جدلها الداخلي حول وطنيتها ومصالحها المصرية، التي لا تحتمل الجهاد»!.
لم يطق الكاتب اللبناني، وصف هنية للانقلاب الذي حدث في غزة، بأنه مطلع الربيع العربي. وربما لن يُطيق راشد الغنوشي ذلك، لأن الغنوشي في تونس والمرشد بديع، ود. محمد مرسي في مصر، لا يمكن أن تتقبل نفوسهم عملاً ظالماً مثلما تقبل هنية الظلم وانفرجت به أساريره. وأذكر أنني كتبت في اليوم التالي للانقلاب، أعلق على ظهور هنية في المسجد، استعداداً لصلاة الجمعة، ضاحكاً من الشيق للميق، بينما نحو خمسمئة أسرة فلسطينية تبكي ضحاياها. وهؤلاء ـ الغنوشي وبديع ومرسي ـ لا يمكن أن يفكروا بإرسال محازبيهم لتقطيع خصومهم إرباً بعد أن استسلموا لهم، والتمثيل بجثثهم، مثلما حدث للصقر المناضل سميح المدهون، على النحو الذي يخالف بفظاظة شرع الله. ولا يمكن أن يقبل القادة الإسلاميون، ما فعله «ربيع» صاحب المجد الموهوم، مع محمد غريب وأسرته، بعد أن ضلل هنية الجميع وأقسم بأغلظ الأيمان أن محمد غريب، الأسير السابق والمناضل، سيكون في أمان ثم اتضحت خيانة الكلمة والأمانة، ومثلما حدث كذلك مع جمال ابو الجديان، الذي أجهزت عليه جماعة هنية وهو جريح على باب المشفى يتوخى علاجاً، وحدث مع أخينا المناضل الطيب أبو عوض اسليم، والصقر سميح وآخرين كُثر. فاي ربيع هذا الذي يتحدث عنه هنية، الذي قدم للشعب الفلسطيني، أنموذج الحكم العفن الرديء، المتكئ الى الابن والى أهالي القرية دون أهالي الوطن من كل الأطياف، والمتزيد في الصولجان من مواكب سيارات ومآدب عامرة جعلت المتضامن السوداني الزائر يدعو الله بأن يرزق السودان كله، ودارفور، بحصار كحصار أصحاب الربيع في غزة ؟!

يكمل ساطع نور الدين، بما هو كاشف ومفيد، فيقول:» كان الرجل فرحا بعودته الى مصر، بعد طول غياب بدأ مع اعلان الامارة الاسلامية في غزه قبل سبع سنوات، وكان مغتبطا اكثر بعودة مصر الى هويتها الاسلامية التي أحيتها ثورة بدأتها حركة حماس على نظام الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي لم يسقط حتى الان، وساهمت في نشرها في مختلف أصقاع الارض العربية. لم يكن هنية يهذي في تحليل بُني على باطل، لكنه قد يصل الى صواب إسلامي لا يمكن انكاره في اكثر من بلد عربي.
فما يراه هنية، اكثر من سواه، ليس وهما كلّه. لا يجوز ان يصنف استيلاء حماس على قطاع غزه كثورة وطنية لانها وباعتراف الحركة نفسها ليست اكثر من فتنة داخلية متواصلة منذ سبع سنوات، أحدثت شرخا عميقا في البنية الوطنية الفلسطينية، وهو ما لا يمكن ان ينسب الى أي ثورة عربية سارت على هدى حماس، وان كانت أفسحت المجال للإسلاميين العرب بأن يغيروا وجه العالم العربي خلال سنة واحدة.

لا يلام هنية على قراءته المسطحة للثورات العربية التي لا تزال تبدو انها يتيمة الاب والام، مع ان روادها ورائداتها، معروفون بالأسماء والوجوه والانتماءات التي تتخطى الاسلام السياسي على اختلاف ألوانه، وتعتبر ان تحرر الاحزاب والحركات الاسلامية وتصدّرها المشهد السياسي العربي هو احد معايير نجاح الثورة… وتأخر مشروعها الليبرالي»!
نكتفي بما كتبه ساطع نور الدين، في صحيفة «ممانعة» ونقتبسه لكي يعتبر الغافلون!

السابق
وفود عديدة تحضر لتعزية الشيخ نبيل قاووق
التالي
سلهب: لموازنة واضحة وشفافة