هل تنقذ روسيا نظام الأسد ؟

وفود وزيارات مستمرة للمعارضات العربية، وممثلين للأنظمة الدكتاتورية التي لا تزال موسكو تشكّل لهم حاجزا منيعا من السقوط المدوّي من ليبيا وسوريا واليمن وإيران، وآخرها وفد «حزب الله» اللبناني الذي جاء لشكر موسكو على وقوفها مع دكتاتوريات المنطقة وتقديم يد العون لها. فالزيارات إلى بلد القياصرة الجدد لم تكن نافعة، وذات نتيجة مثمرة

والخوف والالتباس في الموقف هما اللذان سيطرا على موسكو حيال الثورات العربية وزلزالها المتصاعد، والذي يشكّل تهديدا قويا لروسيا وصقورها القابعين في الكرملين، وإخراجهم من الشرق الأوسط نهائيّا بسبب تعامل روسيا غير الأخلاقي وغير الإنساني مع الثورات، مع أن موسكو ليست لاعبا قويا في هذه الدول المتصدعة، على رغم دعواتها المتكررة لهم لزيارتها في دارها، ولم تقرب وجهات النظر بينهما، لأنّ موسكو تفتقد شرطان أساسيان في الوساطة: "المصداقية والمبادرة". لذلك لم تنجح روسيا باختراق أي أزمة من الأزمات التي واجهتها في منطقة الشرق الأوسط.

نصائح الروس للأسد

لقد نصح الروس الأسد عن طريق وفد "حزب الله" الذي زار موسكو بأن يوافق سريعا على المبادرة العربية من دون تردد أو تلكؤ فيها، لأنها المخرج الحالي لها، وبالتالي في ظل الضغوط التي يتعرّض لها الأسد والتي باتت موسكو محرجة دوليّا وعربيّا من دعمها له، والتي رأت في هذه المبادرة مخرجا مشرّفا له من خلال التغيّرات التي سوف تحدث في المنطقة. لذلك عليه المبادرة الفورية بإجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية وإعلامية وحزبية، لكي يشعر السوريون بأنها خطوط معقولة.

والجميع ينصح بإجراء انتخابات نيابية وفق دستور جديد يوفر له الأغلبية المريحة داخل المجلس الجديد، كما هو الحال في إيران وروسيا، طالما الأسد يتحدث بأنّ أغلبية الشعب معه.

 روسيا والربيع العربي

إذا كانت القيادة الروسية السياسية والدبلوماسية تصارع من اجل مصالح روسيا الاقتصادية والمادية، عبر مواقف سياسية تسجّل على روسيا وسياستها، فإننا لا نستطيع ان ننسى أنّ الغاية تبرّر الوسيلة، فالروس يخوضون معركة قوية جدا ضد الأميركان والغرب، وسوريا هي إحدى حقولها الميدانية، إضافة إلى مناطق أخرى لا تقلّ أهمية عن سوريا، فالغرب يقود معركة مزدوجة ضد روسيا:

1 – محاولة إبعادها من الشرق الأوسط يحاول إبعادها عن المنطق وقرصنة مصالحها الاقتصادية، والتي تعتبر موارد أساسية لها، كتجارة السلاح وتنقيب النفط والغاز. فكان العراق وثمّ ليبيا التي تعتبر روسيا بأنها أخطأت وصدّقت كلام الغرب من خلال تصريحها لهم بتغيير النظام الليبي، وفيما بعد تمّ التنَكّر لمصالح روسيا يومَ كانت ليبيا سوقا كبيرة للسلاح الروسي والخبراء العسكريين والتقنيين والتنقيب عن النفط، كما كان الوضع في العراق، واليوم في سوريا. لذلك، روسيا تقول ولا تريد تكرار السيناريو الليبي في سوريا، في الوقت الذي يعتبر الدور الروسي في سوريا ضعيف جدا.

2 – محاصرة روسيا عسكريّا من خلال نشر الدرع الصاروخية في أوروبا، والتي استقبلت تركيا جزءا منه، وبالتالي روسيا تعتبر أنّ هذه الأنظمة العسكرية الصاروخية ضدها مباشرة، وليس ضد الدول الدكتاتورية التي تبرّر أميركا سبب نشرها للأسلحة.

3 – الخوف الروسي من استخدام الثورات العربية من اجل نَقلها إلى روسيا، ونشرها في المناطق الإسلامية التي لا تزال النار فيها تحت الرماد.

4 – الخوف الروسي من الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وسيطرة حركة طالبان مجددا عليها، ونقل المعركة إلى دول إسلامية خاصة بروسيا، وبالتالي تتحوّل المعركة مع روسيا مباشرة ضد الحركات الإسلامية المتطرّفة، وتكون أميركا نجحت في الخروج من المأزق الأفغاني ونقل المعركة إلى روسيا التي تقوم اليوم بهجمة عنيفة ضد الأصولية الإسلامية المتطرفة الممثلة بحركة القاعدة.

5 – الحالة الاقتصادية الداخلية الروسية التي قد تكون شرارة الثورة الجديدة في روسيا، وتنمية فكرة الربيع الروسي تغيّر النظام الحالي… وفي ظلّ هذه الأوضاع الصعبة التي تفرض نفسها على روسيا وقادتها، والتي أدّت الى طرح اسم الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين في مقدمة المرشحين للرئاسة القادمة.

الخوف والارتباك الروسي

إذا كان الموقف الروسي الرسمي يكمن في الخوف من نقل بذور الثورات العربية إلى أرضها، فإنّ الموقف الداخلي يختلف بين مؤيّدين ومعارضين سياسيين وإعلاميين ودبلوماسيين وأحزاب.

فالاختلاف واضح جدا في التعاطي مع حركة الثورات العربية داخليّا وخارجيا، ففي المشهد الأول الذي نراه واضحا في خطابات الرئيس ميدفديف نفسه وتناقضاته الملتبسة في تصريحاته، إضافة إلى الاختلاف الواضح بين وجهة نظر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وبين مبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط ميخائيل مرغيلوف في التعاطي مع الثورات العربية، عبر تصريحاته التي يطالب فيها مثلا الرئيس الأسد بتنفيذ الإصلاحات سريعا، ومن خلال لقائه مع الوفود المعارضة التي استقبلها مرغيلوف نفسه، بعيدا عن استقبالات الخارجية الروسية.

الإعلام الروسي

الخلاف الروسي الداخلي عكس نفسه على الإعلام المرئي والمكتوب، فالمرئي كان يتجاهل الثورات العربية، ويحاول تشويه الثورات من خلال ترجمة خطاب الأنظمة العربية ونشرها على الشعب الروسي، بالإضافة إلى الهجمة العلنية على الحركات الإسلامية التي تقود الثورات العربية. علما انّ المنظّرين الصهاينة كانوا وراء هذا الخطاب الذي استخدم الاعتراض الروسي والتباسه في موقف ضد الإسلام الذي يحاول تغيير الخارطة الجغرافية السياسية في الشرق الأوسط، والتي تشكّل خطرا على إسرائيل وعلى أمنها القومي في وسط آسيا، فالمعارضة الروسية التي تعارض نظام روسيا الحالي أضحَت لانتقال رياح الثورات العربية إلى روسيا والعمل على الإطاحة بهذا النظام.

سوريا متورّطة بالرشوة

تشير معلومات هامة تَعرضها المعارضة السورية، وتقوم على أنّ "المخابرات السورية تقوم بدفع مبالغ كبيرة وكثيرة لأشخاص يمتلكون تأثيرا كبيرا في السياسة الروسية وقيادتها السياسية، من مخابرات وسياسيين روس امتلكوا صداقات قديمة مع النظام السوري الحالي من اجل استخدامهم بالضغوط على الساسة الروس لترويج بقاء النظام الحالي لإقناع الروس به، والاستمرار بدعم النظام السوري".

الموقف الإسرائيلي

الضغط الإسرائيلي على القيادة الروسية والممثّل شخصيّا برئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، المحذّر من نشر الفوضى التي ستحدثها التغيرات الجديدة للثورات العربية، والتي سينعكس مَدها القريب على دولة إسرائيل وشعبها المعرّض للخطر من سيطرة الإسلاميين المتطرفين على هذه الأنظمة العربية الجديدة. وبالتالي، فإنّ وجود النظام السوري الحالي هو ضمان امني واستراتيجي لأمن الدولة العبرية التي تلتزم به موسكو.

خيبة آمال روسيا من دمشق

تلقّت موسكو صفعة جامدة من النظام الحليف، لعدم تمكينها من السير للوصول إلى طرح مبادرة فعلية لحلّ الخلاف بين الطرفين حسب اعتقادها. فالنظام الذي يبكي ويشتكي لـ موسكو، لا يسمح لها بطرح أي مبادرة لا تعجبه، فهو المعرقل الأساسي لأي دور تحاول موسكو أن تؤديه. وبالتالي، موسكو تفهم هذا الوضع جيدا بالرغم من إصرارها المستمر وقتالها المميت لبقاء النظام السوري. لكن روسيا تعلم جيدا انّ سوريا بالنسبة لها هي ورقة تفاهم وضغط على موضوعات أخرى، فإذا تمّ التفاهم عليها تغيّر روسيا موقفها سريعا من النظام السوري.

لكن المشكلة الأساسية التي تغيب عن طرح القادة الروس، والتي تكمن في انّ موسكو تدفع الشعوب المنتفضة والتي تريد الحرية والديموقراطية بالتوَجه نحو الغرب وتحديدا أميركا، وتغَيّب نفسها عن هذه المطالب بسبب حمايتها لدكتاتوريات عربية وأنظمة شمولية. 

السابق
الحياة: الراعي في قداس الميلاد: لا أحد يستطيع أن يوقف العدالة بالتهديد… أو أن يسيّسها
التالي
الاعياد حرّكت الأسواق بخجل