عرب الخليج وبروتوكول الأزمة

يدخل التوقيع السوري على البروتوكول العربي لإدخال مراقبين الى سورية حيز التنفيذ خلال أيام قليلة، بعد أن كان أعلن أنه سيكون في غضون 72 ساعة من لحظة التوقيع عليه، والذي جرى في القاهرة بين أحمد بن حلي نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية وبين فيصل المقداد مساعد وزير الخارجية السوري على أن تكون مهمة المراقبين معاينة الأوضاع على الأرض وما يجري من أحداث ما زال العالم يقول إنها “قمع” تمارسه الحكومة ضد المواطنين السوريين.

لا شك بأن مرحلة جديدة ستدخلها سورية مع بدء عمل المراقبين، وقد تكون أشبه بالتهدئة، لكنها من الممكن أن لا تطول. ففي حين ما زال الاشتباك قائماً وقد تكون وتيرته تصاعدت، وهو الأمر الذي تعبِّر عنه بيانات جمعيات “حقوق الإنسان” المعارضة للحكومة، ما يفقد تلك البيانات مصداقيتها الكلية في غياب مصدر محايد، يؤكد أو ينفي ما يرد من أنباء. إلا أن تصريحات المعارضة السورية الرافضة لما يفترض أن الجامعة العربية قد أنجزته لمصلحتها وحمايتها على ما يدَّعون، تشير الى أن التصعيد الحاصل، يهدف الى ضرب الصيغة التي تم التوقيع عليها في القاهرة أي نسف البروتوكول في محاولة لإعادة الأمور الى المربَّع الأول والضغط باتجاه طلب التدخُّل الدولي تحت حجَّة عدم قدرة العرب على تنفيذ وفرض ما اتفق عليه.

لكن من اين يمكن الحصول على مصادر محايدة بعد الفرز الشديد الذي فرضته الأحداث، والمواقف المعلنة من قبل كل الأطراف الذين يتصدرون لمتابعة الأزمة في سورية، بينما لا يسمح هؤلاء للحكومة السورية أن تضطلع بشؤونها وتدير الأزمة في البلاد وذلك عبر وضع الشروط التي تراعي مصالح تلك الدول والأطراف الأجنبية وتحفظ من تورط باسمهم في مجازر وقتل وتخريب، كادت أن تعم كل المناطق السورية لولا حكمة الشعب السوري الذي يصر على الاستفادة من تجارب الآخرين، لا سيما من خلال ما حصل في لبنان الجار الأقرب وتاليا ما حصل في العراق وصولا الى ليبيا بعد سلسلة من التدمير المنظَّم الذي تولته الآلة العسكرية الغربية، بهدف الاستحصال بعد ذلك على جوائز الترضية التي باتت توزع اليوم.

الخطاب الذي أعقب مرحلة التوقيع، والتي تلت بدورها مرحلة أصعب من المفاوضات والنقاشات والشروط لا يوحي بأن الأمور سائرة باتجاه الحل، ذلك أن الخطاب السعودي الذي صدر بعد اجتماع قمة دول الخليج العربية جاء مغايراً لمساعي التهدئة التي جرى الحديث عنها، بين المملكة السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية، كما لم توجِّه القمة الخليجية ما يمكن أن يفسَّر بأنه ينسجم مع مساعي الجامعة العربية التي تقودها قطر حيال الأزمة في سورية، علما أنه كان من المنتظر أن يكون الملك السعودي أكثر هدوءاً في خطابه الذي القاه في القمة لا سيما بعد تصريحات للرئيس السوري بشار الأسد، ناشده فيها التدخل للملمة الوضع العربي انطلاقا مما هو معروف عنه، من حرصه عليه.

ما يبدو من دعوة الملك السعودي لإنشاء “اتحاد خليجي” قاعدته الأساسية الهجوم على إيران، واتهامها بالتدخل في شؤون المنطقة مستبعداً كل أنواع الشرور التي تحيط بها، يوحي بأن الملك قد تخلَّى عن إيمانه بالعمل العربي المشترك، لتوحيد الدول العربية على مسار واحد، في سبيل تحقيق الأهداف العربية الأساسية وفي مقدمتها تحرير فلسطين، كما أن هذه الدعوة تظهر التخلِّي عن مبادرة السلام العربية التي طرحها الملك نفسه فاسحاً بذلك المجال أمام الكثير من الاجتهادات حول نوايا المملكة في الصراع الدائر حول فلسطين أولا وبالتالي حول الطريقة التي يتجه اليها عرب الخليج في التعاطي مع قضايا المنطقة بعد سلسلة التغييرات التي طرأت عليها تحت اسم “الربيع العربي”، وصولا الى معالجة الأزمة في سورية والتي كان مطلب دول الخليج الأساسي منها معطوفا على استراتيجية غربية في التخطيط للمنطقة، هو فك الإرتباط الاستراتيجي بين سورية وإيران وتحقيق هدف «إسرائيلي» من خلال ذلك يتلخص باستعادة تلك الاخيرة التفوق الإستراتيجي الذي يشكل عامل أمان لتلك الدول “المستحدثة” خبروه على مدى عقود من الزمن قبل هزيمة الكيان «الإسرائيلي» في لبنان في الـ 2000 والـ 2006.

لا صراع في سورية سوى هذا الصراع، الذي ارتضت القيادة السورية خوضه، مهما كلفها الأمر، وما الجماعات المسلحة إلا ورقة تحرق في سبيل هذا المشروع قبل تمكن انظمة الاستعباد الجديدة التي أفرزتها “ثورات ربيع دول مجلس التعاون الخليجي العربية”.. من التموضع والسيطرة.

السابق
الصحة وافقت على اقتراح تقسيط الديون المترتبة للضمان على المؤسسات والأطباء والمضمونين الإختياريين مع إعفاء من الغرامات
التالي
إحراق سيارة في كفركلا